من الآن، قولان للمفسرين اهـ. شيخنا. وقيل: المراد أن الله تعالى صيَّره حين انفصل من أمه بالغًا عاقلًا، وهذا القول أظهر اهـ. "خازن".
قال في "بحر العلوم" وفي قوله: ﴿مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ دلالة بينة على أن العبد ما دام حيًا لا يسقط عنه التكاليف والعبادات الظاهرة، فالقول بسقوطها كما نقل عن بعض الإباحيين كفر وضلال، انتهى. وقال (١) ابن عطية، وقرأ: ﴿دِمت﴾ بضم الدال عاصم وجماعة، وقرأ: ﴿دِمْتُ﴾ بكسر الدال أهل المدينة، وابن كثير، وأبو عمرو، انتهى. والذي في كتب القراءات أن القراء السبعة قرؤوا ﴿دُمْتُ حَيًّا﴾ بضم الدال، وقد طالعنا جملةً من الشواذ، فلم نجدها لا في شواذ السبعة، ولا في شواذ غيرهم، على أنها لغة.
٦ - ٣٢ ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي﴾؛ أي: وجعلني بارًا بوالدتي، محسنًا إليها، مطيعًا لها، وفي هذا إشارة إلى أنه بلا فحل، وفيه أيضًا إيماء إلى نفي الريبة عنها، إذ لو لم تكن كذلك.. لما أمر الرسول المعصوم بتعظيمها، وقد سبق (٢) لك أنه قرىء ﴿وبرًا﴾ بكسر الباء فإما على حذف مضاف؛ أي: وذا برّ، وإما على المبالغة، جعل ذاته من فرط برّه، ويجوز أن يضمر فعل في معنى أوصاني، وهو كلفني، لأن أوصاني بالصلاة وكلفنيها واحد، ومن قرأ ﴿برًا﴾ بفتح الباء، فقال الحوفي وأبو البقاء: إنه معطوف على ﴿مُبَارَكًا﴾؛ وفيه بعد الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجملة التي هي ﴿أَوْصَانِي﴾ ومتعلقها، والأولى إضمار فعل؛ أي: جعلني ﴿بَرًّا﴾ وحكى الزهراوي، وأبو البقاء، أنه قرىء ﴿وبر﴾ بكسر الباء والراء عطفًا على ﴿بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾.
٧ - ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا﴾؛ أي: متكبرًا مترفعًا متعاظمًا على الناس ﴿شَقِيًّا﴾؛ أي: عاصيًا لربه، والجبار المتعظم: الذي لا يرى لأحد عليه حقًا، والشقي: العاصي لربه، وقيل: الخائب، وقيل: العاق.
٨ - ٣٣ ﴿وَالسَّلَامُ﴾ أي: الأمان من الله ﴿عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ﴾؛ أي: حين ولدت
(٢) البحر المحيط.