بياء الغيبة.
والمعنى: أي (١) ذلك الذي فصلت نبوته، وذكرت مناقبه وأوصافه، هو عيسى ابن مريم، نقول ذلك قول الصدق الذي لا ريب فيه، لا كما يقول اليهود من أنه ساحر وحاشاه، ولا كما تقول طائفة من النصارى إنه ابن الله، ولا كما تزعم طائفة أخرى أنه هو الله، ويخلعون عليه من صفات الألوهية ما هو منه براء،
٣٥ - ثم أكد ما دل عليه سياق الكلام، من كونه ابنًا لمريم لا لغيرها، بقوله: ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ﴾؛ أي: ما صح ولا استقام لله سبحانه وتعالى ﴿أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ﴾؛ أي: أن يتخذ ولدًا؛ لأنه يلزم من اتخاذه ولدًا الحاجة، وهو نقص، فـ ﴿من﴾ (٢) صلة للكلام، و (أن) في موضع رفع اسم ﴿كَانَ﴾؛ أي: ما كان اتخاذ ولد من صفته، وقال الزجاج ﴿مِنْ﴾ في ﴿مِنْ وَلَدٍ﴾ مؤكدةٌ تدل على نفي الواحد والجماعة.
ثم نزه نفسه سبحانه فقال: ﴿سُبْحَانَهُ﴾؛ أي: تنزه الله سبحانه وتقدس عن مقالتهم هذه، ثم صرح سبحانه بما هو شأنه تعالى سلطانه، فقال: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ من الأمور؛ أي: إذا أراد أن يحدث أمرًا من الأمور، وأن يوجد شيئًا من الكائنات ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ﴾؛ أي: أحدث ﴿فَيَكُونُ﴾؛ أي: فيوجد ذلك الأمر كما قال لعيسى كن فكان من غير أب، والقول (٣) هنا مجاز عن سرعة الإيجاد، والمعنى: أنه تعالى إذا أراد تكوين الأشياء لم تمتنع عليه، ووجدت كما أرادها على الفور من غير تأخير في ذلك، كالمأمور المطيع الذي إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع.. كان المأمور به مفعولًا، لا حبس ولا إبطاء، وهو المجاز الذي يسمى التمثيل، وقرأ أبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة ﴿فَيَكُونُ﴾ بالنصب.
والخلاصة (٤): لا يليق بحكمة الله وكمال ألوهيته، أن يتخذ الولد؛ لأنه لو أراده.. لخلقه بقوله: ﴿كُنْ﴾ فلا حمل ولا ولادة، ولأن الولد إنما يُرغب فيه

(١) المراغي.
(٢) القرطبي.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.


الصفحة التالية
Icon