٣٨ - وقوله: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ صيغة تعجبٍ لفظه لفظ الأمر، ومعناه الماضي، فعجب الله - سبحانه وتعالى - نبيه - ﷺ - منهم؛ أي (١): ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة حين لا ينفعهم السمع والبصر، أخبر - سبحانه - أنهم يسمعون ويبصرون في الآخرة ما لم يسمعوا أو يبصروا في الدنيا، وقيل: معناه التهديد بما يسمعون ويبصرون مما يسوءهم ويصدّع قلوبهم. وعبارة النسفي هنا: الجمهور على أن لفظه أمر ومعناه التعجب، والله تعالى لا يوصف بالتعجب، ولكن المراد أن أسماعهم وأبصارهم جدير بأن يُتعجب منهما بعدما كانوا صمًّا وعميًّا في الدنيا، قال قتادة: إن عموا وصموا عن الحق في الدنيا.. فما أسمعهم وما أبصرهم بالهدى يوم لا ينفعهم و ﴿بِهِمْ﴾ مرفوع المحل على الفاعلية كأكرم يزيد، فمعناه كرم زيد جدًّا ﴿لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ﴾ أقيم الظاهر مقام المضمر؛ أي: لكنهم اليوم في الدنيا بظلمهم أنفسهم حيث تركوا الاستماع والنظر حين يُجدي عليهم، ووضعوا العبادة في غير موضعها ﴿فِي ضَلَالٍ﴾ وخطأٍ عن الحق ﴿مُبِينٍ﴾؛ أي: ظاهر وهو اعتقادهم عيسى إلهًا معبوداً مع ظهور آثار الحدوث فيه، إشعارًا بأن لا ظلم أشدّ من ظلمهم.
والمعنى: أي (٢) لئن كان هؤلاء الكفار الذين جعلوا لله أندادًا، وزعموا أن له ولدًا عميًا في الدنيا عن إبصار الحق، والنظر إلى حجج الله التي أودعها في الكون دالةً على وحدانيته، وعظيم قدرته، وبديع حكمته، صماً عن سماع آي كتبه، وما دعتهم إليه الرسل مما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم.. فما أسمعهم يوم قدومهم على ربهم في الآخرة، وما أبصرهم حينئذ حيث لا يُجدي السماع والإبصار شيئًا، ويعضون على أناملهم حسرةً وأسفًا ويتمنون على الله الأمانيّ، فيودّون الرجوعَ إلى الدنيا، ليتداركوا ما فاتهم من صالح العمل، ولكن هيهات هيهات، فقد فات الأوان.

صَاحِ هَلْ رَأَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعِ رَدَّ في الضَّرْعِ مَا قَرَى فِيْ الْحِلاَبِ
(١) مدارك التنزيل.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon