٤١ - قوله: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ﴾ معطوف على قوله: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ﴾؛ أي: واتل يا محمد على قومك في القرآن، أو في هذه السورة ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾؛ أي: قصة إبراهيم الخليل - عليه السلام - ونبأه وبلغها إياهم، كقوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩)﴾ وذلك (١) أن أهل الملل كانوا يعترفون بفضله، ومشركو العرب يفتخرون بكونهم من أبنائه، فأمر الله تعالى حبيبه - عليه السلام - أن يخبرهم بتوحيده الذي هو ملة إبراهيم، ليقلعوا عن الشرك، فعساهم باستماع قصته يتركون ما هم فيه من القبائح، وجملة قوله ﴿إِنَّهُ كَانَ﴾؛ أي: إن إبراهيم كان ﴿صِدِّيقًا﴾؛ أي: ملازمًا للصدق في كل ما يأتي وما يذر، مبالغًا فيه قائمًا به في جميع الأوقات ﴿نَبِيًّا﴾؛ أي: رفيع القدر عند الله، وعند الناس، فلا رفعة أعلى من رفعة من جعله الله واسطةً بينه وبين عباده، تعليل (٢) لما تقدم من الأمر لرسول الله - ﷺ - بأن يذكره، وهي معترضة بين البدل الآتي والمبدل منه، وقرأ أبو البرهشيم ﴿إنه كان صادقًا﴾ وقوله: ﴿نَبِيًّا﴾ خبر آخر لكان مقيد (٣) للأول، مخصص له أي: كان جامعًا بين الصديقية والنبوة، وذلك أن الصديقية تلو النبوة، ومن شرطها أن لا يكون نبيًا إلا وهو صديق، وليس من شرط الصديق أن يكون نبيًا، ولأرباب الصدق مراتب: صادق، وصدوق، وصديق، فالصادق من صدق في قيامه مع الله بالله وفي الله، وهو الفاني عن نفسه، والباقي بربه، والفرق بين الرسول والنبي: أن الرسول من بعث لتبليغ الأحكام ملكًا كان أو إنسانًا، بخلاف النبي فإنه مختص بالإنسان.
فائدة (٤): عاش إبراهيم - عليه السلام - من العمر مئةً وخمسًا وسبعين سنةً، وبينه وبين آدم ألفا سنةٍ، وبينه وبين نوح ألف سنة، كما ذكره السيوطي في "التحبير".
٤٢ - وقوله: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ﴾ بدل اشتمالِ من إبراهيم؛ أي: من خبره المقدر، والمبدل منه محذوف، والبدل باعتبار ما أضيف إليه الظرف، وهو قوله: ﴿قَالَ﴾
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) الفتوحات.