ومعنى الآية: أي (١) واتل أيها الرسول على قومك الذين يعبدون الأصنام، ما كان من خبر إبراهيم خليل الرحمن الذين هم من ذريته، ويدعون أنهم على ملته وهو الصديق النبي حين نهى قومه عن عبادتها، وقال لأبيه: ما الذي حبب إليك أن تعبد ما لا يسمع ثناءك على حين عبادتك له، ولا يبصر خشوعك وخضوعك بين يديه، ولا ينفعك فيدفع عنك ضرًا إذا استنصرت به.
وقد سلك عليه السلام في دعوته أجمل الآداب في الحجاج، واحتج بأروع البرهانات، ليرده عن غيه، ويقفه على طريق الهدى والرشاد، فاستهجن منه أن يعبد ما يستخف به كل ذي لب، ويأبى الركون إليه كل ذي عقل، فالعبادة هي القصوى في التعظيم، فلا يستحقها إلا الخالق الرازق المحيي المميت المعاقب، لا الأصنام التي لا تسمع الأصوات، ولا تنظر الأشياء، وتعجز عن جلب المنافع ودفع المضار.
وقصارى ما قال: أن الإنسان السميع البصير، يأنف أن يعبد نظيره، فكيف تعبد ما خرج عن الألوهية بفقره وضعفه واحتياجه إلى من يصنعه، وعن الإنسانية بفقد العقل، وعن الحيوانية بفقد الحواس، أما كان لك عبرة في حاجته وفقده السمع والبصر.
واعلم: أن إبراهيم - عليه السلام - أورد على أبيه الدلائل والنصائح، وصدر كلاً منها بالنداء المضمن للرفق واللين، استمالةً لقلبه، وامتثالًا لأمر ربه،
٤٣ - ثم كرر دعوته إلى الحق فقال: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي﴾؛ أي: قد وصل إلى بطريق الوحي ﴿مِنَ الْعِلْمِ﴾ باللهِ ومعرفته ﴿مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾؛ أي: نصيب لم يصل إليك، وأنه قد تجدد لي حصول ما أتوصل به منه إلى الحق، وأقتدر به على إرشاد الضالّ ﴿فَاتَّبِعْنِي﴾ على ديني من الإيمان والتوحيد، ولا تستنكف عن التعلم مني ﴿أَهْدِكَ﴾ وأدلك ﴿صِرَاطًا سَوِيًّا﴾؛ أي: طريقًا مستقيمًا موصلًا إلى أسنى المطالب منجيًا من الضلال والمعاطب (٢)، ولم يشافهه بالجهل المفرط، وإن كان في أقصاه، ولم
(٢) روح البيان.