الشرف والفضل وقدم موسى على إسماعيل لئلا يفصل بينه وبين ذكر يعقوب، فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى﴾؛ أي: واتل يا محمد على قومك، وعلى سائر الناس في القرآن، أو في هذه السورة قصة موسى بن عمران - عليه السلام - ﴿إِنَّهُ﴾ أي: موسى - عليه السلام - ﴿كَانَ مُخْلَصًا﴾ قرأ أهل الكوفة: عاصم، وحمزة، والكسائي، وكذا أبو رزين، ويحيى، وقتادة: بفتح اللام؛ أي: مصطفًى مختارًا، اختاره الله تعالى (١) ثم استخلصه واصطفاه على عالمي زمانه لرسالة رب العالمين، وكلامه، وقرأ الباقون: بكسر اللام؛ أي: مخلصًا في طاعته وعبادته لله تعالى، ولم يراء ولم يشرك، أو أخلص نفسه وأسلم وجهه لله.
والمعنى (٢): واتل أيها الرسول على قومك ما اتصف به موسى - عليه السلام - من صفات الجلال والكمال، التى سأقصها عليك، ليستبين لك علو قدره، وعظيم شأنه، وتلك الأوصاف:
أولها: ما ذكره بقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾؛ أي: إن الله تعالى أخلصه واصطفاه، وأبعد عنه الرجس وطهره من الذنوب والآثام، كما جاء في الآية الأخرى ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي﴾.
وثانيها وثالثها: ما ذكره بقوله: ﴿كَانَ﴾ موسى - عليه السلام - ﴿رَسُولًا﴾ أرسله الله سبحانه إلى الخلق داعيًا ومبشرًا ونذيرًا، والرسول: هو من أرسله الله إلى الناس، ومعه كتاب فيه شريعته التي أرسله بها، كموسى وعيسى ومحمد - عليهم الصلاة والسلام - وقيل: الرسول إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه إلى الخلق، كهؤلاء المذكورين، وارتضى هذا القول بعضهم، وكان موسى - عليه السلام - ﴿نَبِيًّا﴾ فأنبأهم عن الله، ولذلك قدم ﴿رَسُولًا﴾ مع كونه أخص وأعلى، وقال بعضهم: تأخير ﴿نَبِيًّا﴾ لأجل رعاية الفواصل، والشعبي هو الذي ينبىء عن الله، ويخبر قومه عنه، وليس معه كتاب كيوشع - عليه السلام - وقيل: النبي: إنسان أوحي إليه بشرع يعمل به في حق نفسه، ولم يؤمر بتبليغه، كالخضر - عليه

(١) الخازن.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon