وخص الخاشعين بالذكر، مع أن القرآن تذكرة للناس كلهم، لقوله تعالى: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ لأنهم المنتفعون بها، فكأن غيرهم لا وجود له، لعدم انتفاعه به.
وخلاصة ذلك: حسبك ما حُمِّلْته من متاعب التبليغ والتبشير والإنذار، ولا تنهك بدنك بحملهم على قبول الدعوة والاستجابة لأمرك، فإن ذلك من شأننا لا من شأنك، وبيدنا لا بيدك، قال في "الكبير" ويدخل تحت قوله: ﴿لِمَنْ يَخْشَى﴾ الرسول؛ لأنه في الخشية والتذكرة فوق الكل.
٤ - وقوله: ﴿تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (٤)﴾ منصوب على المصدرية، بفعل محذوف تقديره: نُزَّل هذا القرآن عليك تنزيلًا من ربك، الذي خلق الأرض والسموات؛ أي: أوجدهما من العدم إلى الوجود، وتخصيص (١) خلق الأرض والسموات، لكونهما أعظم ما يشاهده العباد من مخلوقاته عز وجل، ولأنهما قوام العالم وأصوله، وتقديم (٢) الأرض لكونها أقرب إلى الحس، وأظهر عنده من السموات.
ووصف السموات بالعلى (٣)؛ أي: المرافعة، وهو جمع العليا مؤنث الأعلى، مثل الكبرى والأكبر والكبر، للدلالة على عظم قدرة خالقها بعلوها، وعطف السموات على الأرض، من عطف الجنس على الجنس؛ لأن التعريف مصروف إلى الجنس، لا من عطف الجمع على المفرد، حتى يلزم ترك الأولى من رعاية التطابق بين المعطوف والمعطوف عليه، والمراد بهما: ما في جهة السفل والعلو، ويستتبع ذلك كل ما يتعلق بهما، وقرأ ابن (٤) أبي عبلة ﴿تنزل﴾ رفعًا على إضمار هو، وهذه القراءة تدل على عدم تعلق ﴿يخشى﴾ بتنزيل، وأنه منقطع مما قبله فنصبه على إضمار نزل، كما ذكرناه آنفًا، والظاهر في ﴿مَن﴾ أنها متعلقة بتنزيل، ويجوز أن يكون في موضع الصفة، فيتعلق بمحذوف وفي قوله
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٤) البحر المحيط.