ذلك الموصوف بما ذكر من الأوصاف الكمالية، هو الله؛ أي: المعبود بحق لا عيره، وجملة قوله: ﴿لَا إِلَهَ﴾؛ أي: لا معبود في الأرض ولا في السماء موجود ﴿إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: إلا ذلك الغائب عن الحواس، الموجود في الأزل قبل وجود الكائنات، مستأنفة لبيان اختصاص الإلهية به سبحانه؛ أي: لا إله في الوجود إلا هو سبحانه، ودل قوله (١) ﴿إِلَّا هُوَ﴾: على الهوية، فإن هو كناية عن غائب موجود، والغائب عن الحواس الموجود في الأزل هو الله تعالى، وفيه معنى حسن، وهو: التعالي عن درك الحواس، حتى استحق اسم الكناية عن الغائب من غير غيبة، كما في "بحر العلوم" وكذا جملة قوله: ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ مستأنفة مبينة لاستحقاقه تعالى للأسماء الحسنى، وهي التسعة والتسعون التي ورد بها الحديث الصحيح، ومبينة لكون ما ذكر من الخالقية والرحمانية، والمالكية، والعالمية، أسماءه وصفاته من غير تعدد في ذاته تعالى، فإنه رُوي أن المشركين حين سمعوا النبي - ﷺ - يقول: يا اللَّه، يا رحمن، قالوا: ينهانا أن نعبد إلهين، وقد يدعو إلهًا آخر، و ﴿الْحُسْنَى﴾ تأنيث الأحسن، يوصف به الواحدة المؤنثة، والجمع من المذكر والمؤنث، كـ ﴿مآرب أخرى﴾ و ﴿آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾، وفضل أسماء الله تعالى في الحسن على سائر الأسماء، لدلالتها على معاني التقديس، والتمجيد، والتعظيم، والربوبية، والأفعال التي هي النهاية في الفضل والحسن.
والمعنى (٢): أي إن ما ذكر من صفات الكمال التي تقدمت، ليس بأهل لها إلا ذلك المعبود الحق، الذي لا رب غيره، ولا إله سواه، وله الصفات الحسنى، الدالة على التقديس والتمجيد، والأفعال التي هي الغاية في الحكمة والسداد.
٩ - ثم قرر سبحانه أمر التوحيد، بذكر قصة موسى المشتملة على القدرة الباهرة، والخبر الغريب، فقال: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ﴾ يا محمد وبلغك ﴿حَدِيثُ مُوسَى﴾ بن

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon