وهو: أن الكلام ينقطع على ﴿أَكَادُ﴾ وبعده مضمر؛ أي: أكاد آتي بها، ووقع الابتداء بـ ﴿أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ واختاره النحاس.
وقال الواحدي: قال أكثر المفسرين: ﴿أُخْفِيهَا﴾ من نفسي، وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة، وقال المبرد وقطرب: هذا على عادة مخاطبة العرب، يقولون إذا بالغوا في كتمان الشيء.. كتمته حتى من نفسي؛ أي: لم أطّلع عليه، ومعنى الآية على هذا القول؛ أي (١): إن الساعة آتية لا محالة، وإني أكاد أخفيها من نفسي، فكيف يعلمها غيري من الخلق، وقد جاء هذا على سنن العرب في تخاطبهم، يقول أحدهم: إذا بالغ في كتمان السر: كتمت سري من نفسي، يريد: أنه أخفاه غاية الإخفاء، وقرأ أبو الدرداء وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير وأبو رجاء العطاردي والحسن ومجاهد وحميد بن قيس، ﴿أخفيها﴾ بفتح الهمزة ورويت عن ابن كثير وعاصم، قال الزجاج: ومعناه: أكاد أظهرها، من خفيت الشيء بمعنى: أظهرته.
وفائدة إخفائها: التهويل والتخويف، فإنهم إن لم يعلموا متى تقوم الساعة.. يكونوا منها على حذر، ولمثل تلك الفائدة أخفى الله وقت الموت، لأن المرء إذا علم وقت موته، وانقضاء أجله.. اشتغل بالمعاصي إلى أن يقرب ذلك الحين، فيتوب ويصلح عمله، وقد وعد الله بقبول توبته، وهذا يكون كالإغراء على المعصية، لكنه إن لم يعلم حين منيته.. كان منها على حذر، ولا يزال على قدم الخوف والوجل، فيترك المعاصي، ويتوب منها في كل حين خوف معاجلة الموت.
واللام في قوله: ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ متعلق بـ ﴿آتية﴾ وما بينهما اعتراض أو بـ ﴿أُخْفِيهَا﴾ و ﴿ما﴾ مصدرية؛ أي: إن الساعة آتية لتجزي كل نفس بسعيها وعملها، خيرًا كان أو شرًا، وتخصيص (٢) السعي بالذكر للإيذان بأن المراد بالذات من إتيانها هو الإثابة بالعبادة، وأما العقاب بتركها فمن مقتضيات
(٢) روح البيان.