سوء اختيار العصاة، أو يقال: والسعي وإن كان ظاهرًا في الأفعال فهو هنا يعم الأفعال والتروك للقطع بأن تارك ما يجب عليه معاقب بتركه، مأخوذ به
١٦ - ﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ﴾؛ أي: فلا يصرفنك يا موسى ﴿عَنْهَا﴾؛ أي: عن الإيمان بالساعة، والتصديق بها، أو عن ذكرها ومراقبتها؛ أي: لا يمنعنك عن ذكر الساعة ومراقبتها ﴿مَنْ لَا يُؤْمِنُ﴾ ولا يصدق ولا يقر ﴿بِهَا﴾؛ أي: بإتيان الساعة وقيامها من الكفرة، وهذا النهي (١) وإن كان بحسب الظاهر نهيًا للكافر عن صد موسى عن الإيمان بالساعة، فهو في الحقيقة نهيٌ لموسى عن الانصداد عنها على أبلغ وجه وآكده، فإن النهي عن أسباب الشيء ومباديه المؤدية إليه نهيٌ عنه بالطريق البرهاني، وإبطال للسببية من أصلها، أو نهي (٢) له عن إظهار اللبن للكافرين، فهو من باب لا أرينك هاهنا، كما هو معروف، وقوله: ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ معطوف على ما قبله؛ أي: من لا يؤمن، ومن اتبع هواه؛ أي: اتبع هوى نفسه وشهواتها بالانهماك في اللذات الحسية الفانية ﴿فَتَرْدَى﴾؛ أي: فتهلك هلاكًا أبديًا؛ لأن انصدادك عنها بصد الكافرين لك مستلزم للهلاك ومستتبع له، لما في ذلك الانصداد من الإغفال عنها وعن تحصيل ما ينجي من أهوالها لا محالة، والمراد، بهذا النهي: الأمر بالاستقامة في الدين، وهو خطاب له، والمراد: غيره وقرأ يحيى: ﴿فتردى﴾ بكسر التاء، والمعنى؛ أي (٣): فلا يردنك يا موسى عن التأهب للساعة من لا يقر بقيامها، ولا يصدق بالبعث، ولا يرجو ثوابًا، ولا يخاف عقابًا، بل يتبع هواه، ويخالف أمر ربه ونهيه، فإنك إن فعلت ذلك وقعت في هاوية الخذلان والعصيان، وهذا الخطاب من وادي قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة، فالمراد بمثل هذا الخطاب جميع المكلفين، كما تقدم غير مرة.
وخلاصة ذلك: لا تتبعوا سبل من كذب بالساعة، وأقبل على لذاته في دنياه، وعصى أمر ربه، واتبع هواه، فإن من سلك سبيلهم.. خاب وخسر، كما
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغى.