قال: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (١١)﴾.
واعلم (١): أن هذه الآيات والآتية بعدها دلت على أن الله تعالى كلم موسى - عليه السلام - وأنه سمع كلام الله تعالى، فإن قيل: بأي شيء علم موسى أنه كلام الله؟ قيل: لم ينقطع بالنفس مع الحق، كما ينقطع به مع المخلوق، بل كلَّمه تعالى بمدد وحداني غير منقطع، وبأنه سمع الكلام من الجهات الست، وبجميع الأجزاء، فصار الوجود كله سمعاً، وكذا المؤمن في الآخرة.
١٧ - والاستفهام في قوله: ﴿وَمَا تِلْكَ﴾، للتقرير ﴿وَمَا﴾: مبتدأ و ﴿تِلْكَ﴾: خبره وهي بمعنى: هذه ﴿بِيَمِينِكَ﴾ حال والعامل فيها ﴿مَا﴾ في اسم الإشارة، من معنى الفعل، كقوله: ﴿وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾؛ أي: أي شيء هذه الخشبة حالة كونها مأخوذةً بيمينك ﴿يَا مُوسَى﴾ ويصح أن تكون ﴿مَا﴾ خبرًا مقدمًا لـ ﴿تِلْكَ﴾ وهو أوفق بالجواب من عكسه.
وقال الزمخشري (٢): ويجوز أن يكون ﴿تِلْكَ﴾ اسماً موصولًا، صلته بـ ﴿بِيَمِينِكَ﴾ ولم يذكر ابن عطية غيره، وليس ذلك مذهباً للبصريين، وإنما ذهب إليه الكوفيون، قالوا: يجوز أن يكون اسم الإشارة موصولًا، حيث يتقدر بالموصول، كأنه قيل: وما التي بيمينك، وعلى هذا فيكون العامل في المجرور محذوفًا، كأنه قيل: وما التي استقرت بيمينك، وفي هذا السؤال وما قبله من خطابه تعالى لموسى - عليه السلام - استئناس عظيم، وتشريف كريم.
سأله سبحانه عما في يده وهو العليم به (٣)، ليبين له أنه سيجعل لتلك الخشبة التي ليس لها خطر كبير، ولا منفعة عظيمة، جليل المزايا والفوائد التي لم تكن تخطر له على بال، كانقلابها حيةً تسعى، وضرب البحر بها حتى ينفلق، وضرب الحجر حتى يتفجر منه الماء، ولينبهه بهذا الطريق إلى كمال قدرته، وبالغ عظمته، إذ أظهر لأحقر الأشياء هذه المنافع العظيمة، على سنن الناس في
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.