الجسام ما أمن به من كيد السحرة، ومعرة المعاندين، واتخذها سليمان لخطبته وموعظته، وطول صلاته، وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي - ﷺ - وعنزته، وكان يخطب بالقضيب، وكذلك الخلفاء من بعده، وكانت عادة العرب العرباء أخذ العصا، والاعتماد عليها عند الكلام، وفي المحافل والخطب.
فإن قلت (١): ما الفائدة في سؤال الله تعالى له بقوله: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ﴾ وهو يعلم؟.
فعنه جوابان:
أحدهما: أن لفظه لفظ الاستفهام، ومجراه مجرى السؤال ليجيب المخاطب، لا إقرار به، فتثبت عليه الحجة باعترافه، فلا يمكنه الجحد، ومثله في الكلام أن تقول لمن تخاطبه وعنده ماء: ما هذا؟ فيقول: ماء، فتضع عليه شيئًا من الصبغ، فإن قال: لم يزل هكذا.. قلت له: ألست قد اعترفت بأنه ماء، فتثبت عليه الحجة، هذا قول الزجاج، فعلى هذا تكون الفائدة أنه قرر موسى أنها عصا، لما أراد أن يريه من قدرته في انقلابها حيةً، فوقع المعجز بها بعد التثبت في أمرها.
والثاني: أنه لما اطلع الله تعالى على ما في قلب موسى، من الهيبة والإجلال، حين التكليم.. أراد أن يؤانسه، ويخفف عنه ثقل ما كان فيه من الخوف، فأجرى هذا الكلام للاستئناس، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
فإن قيل: قد كان يكفي في الجواب أن يقول: ﴿هِيَ عَصَاي﴾، فما الفائدة في قوله: ﴿أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾ إلى آخر الكلام، وإنما يشرح هذا لمن لا يعلم فوائدها؟
فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدهما: أنه أجاب بقوله: ﴿هِيَ عَصَايَ﴾ فقيل له: ما تصنع بها، فذكر باقي الكلام جوابًا عن سؤال ثان. قاله ابن عباس، ووهب.