وانطلق برسالتي، فإنك بعيني وسمعي، وإن معك يدي ونصري، وإني ألبستك جبةً من سلطاني، تستكمل بها القوة في أمرك، أبعثك إلى خلقٍ ضعيف من خلقي، بطر نعمتي، وأمن مكري، وغرته الدنيا، حتى جحد حقي، وأنكر ربوبيتي، أقسم بعزتي، لولا الحجة التي وضعت بيني وبين خلقي.. بطشت به بطشة جبار، ولكن هان علي، وسقط من عيني، فبلغه رسالتي، وادعه إلى عبادتي، وحذره نقمتي، وقيل له قولًا لينًا، لا يغتر بلباس الدنيا، فإن ناصيته بيدي، لا يطرف ولا يتنفس إلا بعلمي)، قال: فسكت موسى سبعة أيام لا يتكلم، حتى جاءه ملك فقال: أجب ربك فيما أمرك، فحينئذ
٢٥ - ﴿قَالَ﴾ موسى - عليه السلام - مستعينًا بالله: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾: جملة مستأنفة، واقعة في جواب سؤال مقدر: كأنه قيل: فماذا قال؟ قال: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾؛ أي: رب وسع لى صدري وقلبي، لأعي عنك ما تودعه فيه من وحيك، وأجترىء به على خطاب فرعون، فإنك كلفتني أمرًا عظيمًا، لا يحتمله إلا ذو جأش رابط، وصدر فسيح، فقد بعثتني إلى أعظم ملك على وجه الأرض، وأجبرهم وأشدهم كفرًا، وأكثرهم جندًا، وأعمرهم ملكًا، وأطغاهم وأبلغهم تمردًا، وقد بلغ من تمرده: أنه لا يعلم إلهًا غيره، والمراد (١) بالصدر هنا: القلب، لا العضو، الذي فيه القلب؛ أي: وسع قلبي حتى لا يضيق بسفاهة المعاندين ولجاجهم، ولا يخاف من شوكتهم وكثرتهم.
وخلاصة ذلك: أنه خاف فرعون لشدة شوكته، وكثرة جنوده، فسأل الله تعالى: أن يوسع قلبه، ليكون حمولاً لما يستقبل من الشدائد والمكاره بجميل الصبر، وحسن الثبات، فقال: اجعلني رابط الجأش، حتى لا أخاف سواك، ولا أرهب غيرك، حين تبليغ رسالتك، وكن عوني ونصيري، وإلا فلا طاقة لي بذلك
٢٦ - ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦)﴾؛ أي: سهل وهون علي تبليغ الرسالة إلى فرعون، بإحداث الأسباب، ورفع الموانع.
والمعنى: هوِّن (٢) وسهل علي القيام بما كلفتني به من تبليغ الرسالة،
(٢) المراغى.