وحملتني من الطاعة، وأفض علي من القوة ما يفي بالعمل على نشر الدين، وإصلاح الخلق
٢٧ - ﴿وَاحْلُلْ﴾؛ أي: فك وافتح ﴿عُقْدَةً﴾؛ أي: ربطةً ورقةً؛ أي: حبسةً ﴿مِنْ لِسَانِي﴾: متعلق بـ ﴿أحلل﴾ وتنكير ﴿عُقْدَةً﴾: يدل على قلتها في نفسها، قالوا: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مرسلة، أو صورة ممثلة، والمرء بأصغريه: قلبه ولسانه؛ أي: أطلق عن لساني المعجمة، واللكنة، والحبسة، بالنطق التي كانت فيه من الجمرة التي ألقاها في فيه وهو طفل، وذلك أن فرعون حمله يومًا، فأخذ لحيته ونتفها لما كانت مرصعةً بالجواهر، فغضب وقال: إن هذا عدوي المطلوب، وأمر بقلته، فقالت زوجته آسية: أيها الملك، إنه صبي لا يفرق بين الجمر والتمر، فأحضرا بين يدي موسى، بأن جعل الجمر في طست والتمر في آخر، فقصد إلى أخذ التمر، فأمال جبريل يده إلى الجمر، فرفعه إلى فيه فاحترق لسانه، فكانت منه لكنة وعجمة، قيل (١): أذهب الله سبحانه تلك العقدة جميعها، بدليل قوله: ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾ وقيل: لم تذهب كلها؛ لأنه لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية، بل سأل حل عقدة تمنع الإفهام، بدليل قوله: ﴿مِنْ لِسَانِي﴾؛ أي: كائنةً من عقد لساني، ويؤيد ذلك قوله: ﴿هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ وقوله حكايةً عن فرعون ﴿وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾
٢٨ - وجواب الأمر قوله: ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨)﴾ أي: إن حللت عقدتي.. يفهم فرعون وقومه قولي وكلامي عند تبليغ الرسالة، فإنما يحسن التبليغ من البليغ.
٢٩ - ولما كان التعاون على نشر الدين، مع خلوص الود قربةً عظيمةً لله.. طلب موسى المعاونة على ذلك فقال: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا﴾؛ أي: موازرًا يعاونني في تحمل أعباء ما كلفتني به، ﴿مِنْ أَهْلِي﴾؛ أي: من خواصي وأقربائي، فوزيرًا: مفعول ثان لـ ﴿اجعل﴾ لأنه نكرة
٣٠ - و ﴿هَارُونَ﴾ مفعول أول لأنه معرفة، وقدم (٢) الثاني عليه اعتناءً بشأن الوزارة؛ لأن مقصوده الأهم طلب الوزير، وكان أكبر من موسى بأربعة أعوام، كما مر ﴿أَخِي﴾ بدل من هارون، و (لي) متعلق بمحذوف، على أنه حال من ﴿وَزِيرًا﴾ و ﴿مِنْ أَهْلِي﴾: متعلق بـ ﴿اجعل﴾ والمعنى: واجعل من أهلي
(٢) المراح.