الدعاء
٣٦ - فـ ﴿قَالَ﴾ سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ أُوتِيتَ﴾ وأعطيت ﴿سُؤْلَكَ﴾؛ أي: مسؤولك ومطلوبك ﴿يَا مُوسَى﴾ فهو فعل بمعنى مفعول، كالخبز بمعنى المخبوز، والإيتاء عبارة عن تعلق إرادته تعالى بوقوع تلك المطالب، وحصولها له؛ أي: قال الله سبحانه لموسى: قد أعطيتك جميع ما سألتني، من شرح صدرك، وتيسير أمرك، وحل عقدة لسانك، وجعل أخيك هارون وزيرًا لك، وشد أزرك به، وإشراكه في الرسالة معك
٣٧ - ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد أنعمنا عليك يا موسى، وأكرمناك بكرامات ﴿مَرَّةً أُخْرَى﴾؛ أي: في وقتٍ غير هذا الوقت، من غير أن تسألنا، فلأن ننعم عليك بمثل تلك النعم التامة، وأنت طالب له، أولى، أي (١): ولقد تفضلنا عليك من قبل بنعم كثيرة، ومن راعى مصلحتك قبل سؤلك، وأعطاك ما ترجوه، أفيمنع عنك ما تريد بعد سؤالك، ومن رقى بك إلى مراتب الكمال، وصعد بك في أوج المعالي، وسما بك إلى درجات الرفعة، ووكل إليك ذلك المنصب الخطير، أفيليق به وهو الجواد الكريم أن يحجز عنك ما تُؤَمِّل، مما أنت في شدة الحاجة إليه لتبليغ رسالته، وفي التعبير عن تلك النعم بالمنن، إيماء إلى أنها إنما وصلت إليه لمحض التفضل والإحسان.
وقد عد سبحانه من تلك النعم ثماني، فقال:
١ - ٣٨ ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ﴾: ظرف لـ ﴿مَنَنَّا﴾ والمراد (٢): من هذا الوحي: وحي إلهام، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ بأن أوقع في قلبها عزيمةً جازمةً على ما فعلته من اتخاذ التابوت، والقذف، وليس المراد هنا: الوحي الواصل إلى الأنبياء؛ لأن أم موسى ما كانت من الأنبياء، فإن المرأة لا تصلح للإمارة والقضاء، فكيف تصلح للنبوة، ﴿مَا يُوحَى﴾ المراد به: ما سيأتي من الأمر بقذفه في التابوت والبحر، أبهم أولًا تهويلًا له، وتفخيمًا لشأنه عليه السلام؛ أي: ولقد مننا عليك مرة أخرى، حين (٣) ألهمنا أمك الذي يلهَم، أو أريناها في
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.