السحل؛ لأنه يسحل الماء؛ أي: يقشره ويسلخه، وينزع عنه ما هو بمنزلة القشر على ظاهره، يقال: قشرت العود نزعت عنه قشره. ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)﴾؛ أي: اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي، من الاصطناع، وهو: افتعال من الصنع بالضم، وهو مصدر قولك: صنع إليه معروفًا كما مر، وعن القفال: اصطنعتك أصله من قولهم: اصطنع فلان فلانًا، إذا أحسن إليه، حتى يضاف إليه، فيقال: هذا صنع فلان، كما يقال: هذا جريح فلان، وفي "القاموس" ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)﴾: إخترتك لخاصة أمرٍ أستكفيكه. انتهى.
﴿فُتُونًا﴾، فيه وجهان:
أحدهما: أنه مصدر على فعول كالقعود والجلوس، إلا أن فعولًا قليل في المتعدي، ومنه الشكور والكفور والثبور واللزوم، قال تعالى: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾.
والثاني: أنه جمع فتن أو فتنة، على ترك الاعتداد بتاء التأنيث، كحجوز وبدور، في حجزة وبدرة؛ أي: فتناك ضروبًا من الفتن. اهـ "سمين".
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التشويق والحث على الإصغاء في قوله: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (٩)﴾.
ومنها: فن الإبهام في قوله: ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ وهو فن رفيع ينطوي على الكثير من جلائل المعاني ودقائقها، وهو ضد الإيجاز، وضد الإطناب، وحدُّه، أن يأتي المتكلم إلى المعنى الواحد الذي يمكنه الدلالة عليه باللفظ القليل، فيدل عليه باللفظ الكثير، لا لقصد إفهام البليد، وسماع البعيد، ولا للتقرير والتوكيد، بل للإتيان بمعنى يتشعب إلى عدة أمور، كل واحد منها مستقل المفهومية، فقد قال: ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾ ولم يبت في الأمر،