وخص (١) موسى وحده بالأمر بالذهاب فيما تقدم، وجمعهما هنا تشريفًا لموسى بإفراده، وتأكيداً للأمر بالذهاب بالتكرير، وقيل: إن في هذا دليلًا على أنه لا يكفي ذهاب أحدهما، وقيل: الأول: أمر لموسى بالذهاب إلى كل الناس، والثاني: أمر لهما بالذهاب إلى فرعون.
والمعنى (٢): أي اذهبا معًا إلى فرعون، وناضلاه الحجة بالحجة، وقارعاه البرهان بالبرهان؛ لأنه طغى وتجبر وتمرد، حتى ادعى الربوبية فقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ وتخصيص فرعون بالدعوة آخرًا، بعد أن كانت الدعوة عامة أولًا، من قبل أنه إذا صادفت الدعوة من فرعون أذنًا صاغيةً، واستجاب لدعوتهما، وآمن بهما.. تبعه المصريون قاطبةً، كما قيل: الناس على دين ملوكهم.
قال في "العرائس": أمر الله موسى وهارون - عليهما السلام - بالذهاب إلى فرعون، لقطع حجته، وإظهار كذبه في دعواه، وهذا تهديد لكل مدع لا يكون معه بينة من الله في دعواه، والحكمة في إرسال الأنبياء إلى الأعداء: ليعرفوا عجزهم عن هداية الخلق إلى الله، ومن يعجز عن هداية غيره.. فأيضًا يعجز عن هداية نفسه، كالطبيب العاجز عن معالجة الغير، فإنه عاجز عن معالجة نفسه أيضًا، وليعلموا أن الاختصاص لا يكون بالأسباب، ويشكروا بما أنعم الله عليهم بلطفه، وربما يصطادون من بين الكفرة من يكون له استعداد بنظر الغيب، مثل: حبيب النجار، والرجل من آل فرعون، وامرأة فرعون، والسحرة. انتهى.
٤٤ - ثم أمرهما سبحانه بإلانة القول له، لما في ذلك من التأثير في الإجابة، فإن التخشين بادىء بدء يكون من أعظم أسباب النفور والتصلب في الكفر فقال: ﴿فَقُولَا﴾ أنتما، يا موسى وهارون ﴿لَهُ﴾؛ أي: لفرعون ﴿قَوْلًا لَيِّنًا﴾ أي: سهلًا، أي (٣): كلماه باللين والرفق، من غير خشونة ولا تعنيف، ويسرا، ولا تعسرا، فإنه ما دخل الرفق في شيء إلا وقد زانه، وما دخل الخرق في شيء إلا وقد
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.