أن يترك الإصرار على إنكار الحق وتكذيبه، وإما بأن يتذكر ويتعظ ويقبل الحق قلبًا وقالبًا، أو بأن يتوهم أنه حق فيخشى بذلك، من أن يصر على الإنكار، ويبقى مترددًا ومتوقفًا بين الأمرين، وذلك خير بالنسبة إلى الإنكار والإصرار عليه، لأنه من أسباب القول، ولقد تذكر فرعون وخشي حين لم ينفعاه، وذلك حين ألجمه الغرق، ﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
وقيل (١): ﴿لعل﴾ هاهنا بمعنى الاستفهام، والمعنى: فانظرا هل يتذكر أو يخشى، وقيل: بمعنى كي، والتذكر: النظر فيما بلَّغاه من الذكر، وهو إمعان الفكر فيه، حتى يكون ذلك سببًا في الإجابة، والخشية: هي خشية عقاب الله الموعود به على لسانهما.
والظاهر: أن ﴿لعل﴾ في مثل هذا لتوقع حصول ما بعدها؛ أي: أديا (٢) الرسالة، وقوما بتنفيذ ما دعوتكما إليه، واسعيا إلى إنجازه، سعي من يرجو ويطمع أن يثمر عمله، ولا يخيب سعيه، فهو يجتهد قدر استطاعته، ويحتشد بأقصى وسعه، آملًا أن تكلل أعماله بالنجاح والفوز والفلاح.
وقصارى ذلك: اصدعا بالأمر وأنتما طامعان أن أعمالكما ستثمر، وأنكما ستهديانه إلى سواء السبيل، وقد جرت العادة أن من رجا شيئًا.. طلبه، ومن يئس.. انقطع عمل، والمقصد من ذلك إلزامه الحجة، وقطع المعذرة، وإن لم يفد هدايته.
٤٥ - ﴿قَالَا﴾؛ أي: قال موسى وهارون ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ﴾ فرعون إن نحن دعوناه إلى ما أمرتنا أن ندعوه إليه ﴿أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا﴾؛ أي: أن يعجل علينا بالعقوبة، ولا يصبر إلى تمام الدعوة، وإظهار المعجزة، فيتعطل المطلوب من الإرسال إليه ﴿أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾؛ أي: أن يزداد طغيانًا، فيقول في شأنك ما لا ينبغي، لعظيم جرأته، وقساوة قلبه، وفجوره، وشديد عصيانه، ولما كان طغيانه في حق الله أعظم من

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon