إفراطه في حقهما.. ختم الكلام به.
فالخوف (١): توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة، كما أن الرجاء والطمع: توقع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة، ويضاد الخوف الأمن ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية، قال تعالى: ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب، كاستشعار الخوف من الأسد، بل إنما يراد به الكف من المعاصي واختيار الطاعات، فإن قلت: كيف هذا الخوف وقد علما أنهما رسولا رب العزة إليه؟
قلت: جريا على الخوف الذي هو مركوز في جبلة الإنسان، حتى أنه لو بلغ مرتبة النبوة والرسالة، فإنه لا يخرج الخوف من جبلته، كما قال: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا﴾ يعني نخاف أن يقتلنا، ولكن الخوف ليس بجهة القتل، وإنما نخاف فوات عبوديتك بالقيام لأداء الرسالة والتبليغ كما أمرتنا، أو يتمرد بجهله ولا ينقاد لأوامرك، ويسبك.
وقرأ يحيى، وأبو نوفل، وابن محيصن في روايته (٢): ﴿أن يفرط﴾ مبنيًا للمفعول؛ أي: يسبق في العقوبة، ويسرع بها، من فرط إذا تقدم بالقصد، ومنه الفارط إلى الماء؛ أي: المتقدم لإصلاح الدلو، ويجوز أن يكون من الإفراط ومجاوزة الحد في العقوبة، خافا أن يحمله حامل على المعاجلة بالعذاب، من شيطان، أو من جبروته واستكباره وادعائه الربوبية، أو من حبه الرياسة، أو من قومه القبط المتمردين. وقرأت فرقة، والزعفراني عن ابن محيصن: ﴿يفرط﴾ بضم الياء وكسر الراء، من الإفراط في الأذية.
٤٦ - ﴿قَالَ﴾: استئناف (٣) بياني، كأنه قيل: فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه؟ فقيل: قال الله سبحانه لهما ﴿لَا تَخَافَا﴾ مما عرض في قلبكما من إذاية فرعون لكما، ومن ازدياد كفره، قال بعضهم: ليس المراد منه النهي عن الخوف،

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon