أخف وأسهل من ذلك، لما فيه من تبديل الاعتقاد، وهو عسر شاق على النفس، وقال في "الإرشاد": والمراد بالإرسال: إطلاقهم من الأسر والقسر، وإخراجهم من تحت اليد العادية، لا تكليفه أن يذهبوا معهما إلى الشام، كما ينبىء عنه قوله سبحانه: ﴿وَلَا تُعَذِّبْهُمْ﴾؛ أي: بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب، فإنهم كانوا تحت مملكة القبط، يستخدمونهم في الأعمال الصعبة القادحة، من الحفر، ونقل الأحجار، وغيرهما من الأمور الشاقة، ويقتلون ذكور أولادهم، عامًا دون عام، ويستخدومونهم، كما مر آنفًا.
وتوسيط (١) حكم الإرسال بين بيان رسالتهما، وبين ذكر المجيء بآيةٍ دالة على صحتها، لإظهار الاعتناء به؛ لأن تخليص المؤمنين من أيدي الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان، كما قيل، ثم ذكرا ما يوجب امتثال أمرهما، ويؤكد دعوى رسالتهما بقولهما: ﴿قَدْ جِئْنَاكَ﴾ وأتيناك ﴿بِآيَةٍ﴾؛ أي: بمعجزةٍ باهرةٍ كائنةٍ ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ وخالقك يا فرعون؛ أي: قد (٢) جئناك بالحجة البالغة، والبرهان الساطع، على أنه أرسلنا إليك، وإن لم تصدقنا فيما نقول.. أريناكها ﴿وَالسَّلَامُ﴾؛ أي: والسلامة والأمن من العذاب، في الدنيا والآخرة ﴿عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾؛ أي: على من اتبع رسل ربه، واهتدى بآياته التي ترشد إلى الحق، وتنيل البغية وتبعد عن الغي والضلال، قال الزجاج؛ أي: من اتبع الهدى.. سلم من سخط الله وعذابه، وليس بتحية، والدليل على ذلك: أنه ليس بابتداء لقاءٍ ولا خطاب. اهـ.
وهذا (٣) من جملة قوله تعالى، الذي أمرهما أن يقولاه لفرعون؛ أي: وقولا له: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ وفي هذا ترغيب في التصديق على أتم وجوهه، وتنفير من مخالفته، وقد عنها على أقصى غاية، كما لا يخفى،
٤٨ - ثم ذكرا علة لما سبق لهما من النصح والإرشاد بقولهما ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا﴾؛ أي: إنا قد أخبرنا

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon