الله فيما أوحاه إلينا ﴿أَنَّ الْعَذَابَ﴾؛ أي: أن عذابه الذي لا نفاد له، ولا انقطاع في الدنيا والآخرة ﴿عَلَى مَنْ كَذَّبَ﴾ بما ندعوا إليه من توحيده وطاعته، وإجابة رسله ﴿وَتَوَلَّى﴾؛ أي: وأدبر معرضًا عما جئناه به من الحق.
وجاء بمعنى الآية قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩)﴾ وقوله: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦)﴾ وقوله: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (٣١) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢)﴾.
وأصل الوحي (١): الإشارة السريعة، وذلك قد يكون بالكلام الخفي على لسان جبريل، وقد يكون بالإلهام، والمنام، والوحي إلى موسى بوساطة جبريل، وإلى هارون بوساطته ووساطة موسى، والمراد (٢) بالعذاب: الهلاك والدمار في الدنيا، والخلود في النار، والمراد بالتكذيب: التكذيب بآيات الله وبرسله، والتولي: الإعراض عن قبولها والإيمان بها.
فإن قلت: إن قوله: ﴿أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ يقتضي قصر العذاب على المكذبين، مع أن غيرهم قد يعذبون على عصيانهم.
قلتُ: إن المراد بالعذاب هنا: العذاب الدائم، الذي لا ينقطع؛ لأن العذاب المتناهي كلا عذاب
٤٩ - ﴿قَالَ﴾ فرعون، بعدما أتياه وبلغا ما أمرا به: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾؛ أي: فمن إلهكما الذي أرسلكما، لم يقل فمن ربي مع قولهما: ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ﴾ لغاية عتوه، ونهاية طغيانه، و (الفاء) في قوله: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا كنتما رسولي ربكما.. فأخبرا من ربكما الذي أرسلكما إليَّ، و ﴿من﴾: للاستفهام التعجبي.
قال الإِمام: أثبت نفسه ربًا في قوله: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ فذكر ذلك على سبيل التعجب، كأنه قال: أنا ربك، فلم تدعو ربا آخر يا موسى، وإنما خص موسى بالنداء، مع توجيه الخطاب إليهما، لما ظهر له أنه هو الأصل، وهارون وزيره، فأجاب موسى عن سؤاله.

(١) روح البيان.
(٢) الشوكانى.


الصفحة التالية
Icon