﴿وَأَنْزَلَ﴾ النزول: هو الانحطاط من علو، يقال: نزل عن دابته، ونزل في مكان كذا: حط رحله فيه، وأنزل غيره ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾؛ أي: من الفلك أو من السحاب، فإن كل ما علا سماء ﴿مَاءً﴾ وهو: جسم سيال، قد أحاط حول الأرض، والمراد، هنا: المطر، وهو الأجزاء المائية إذا التأم بعضها مع بعض، ونكره قصدًا إلى معنى البعضية؛ أي: أنزل من السماء بعض الماء. وهذا (١) تمام كلام موسى - عليه السلام - ثم بعد ذلك أخبر الله تعالى عن صفة نفسه، تتميمًا لكلام موسى، لخطاب أهل مكة فقال: ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾؛ أي: بذلك الماء ﴿أَزْوَاجًا﴾؛ أي: أصنافاً ﴿مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾؛ أي: مختلفةٍ في الطعم والرائحة والشكل والنفع، بعضها صالح للناس، وبعضها للبهائم، على اختلاف وجوه الصلاح، والأظهر: أن ﴿مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ صفتان لـ ﴿أَزْوَاجًا﴾ وأخر شتى رعايةً للفواصل، وقيل: هذا من تمام كلام موسى - عليه السلام - وكأنه يقول: ربي الذي جعل لكم كذا وكذا، فأخرجنا نحن معشر عباده بذلك الماء بالحراثة ﴿أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ وقال صاحب "الكشاف": إن كلام موسى - عليه السلام - تم عند قوله: ﴿وَلَا يَنْسَى﴾ ثم ابتدأ كلام الله من قوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ﴾ فهو خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو ﴿الَّذِي جَعَلَ﴾ ويكون الانتقال من الغيبة إلى التكلم التفاتًا، للدلالة على كمال القدرة، والحكمة، وللإعلام بأن ذلك لا يتأتى إلا من قادر مطاع، عظيم الشأن.
وجملة قوله: ﴿كُلُوا﴾: حال من ضمير ﴿فأخرجنا﴾، على إرادة القول، أي: فأخرجنا به أصناف النباتات، قائلين لكم ﴿كُلُوا﴾ منها؛ أي: من الثمار والحبوب ونحوهما ﴿وَارْعَوْا﴾؛ أي: أسيموا واسرحوا فيها ﴿أَنْعَامَكُمْ﴾؛ أي: مواشيكم، الإبل، والبقر، والضأن، والمعز؛ أي (٢): اقصدوا الانتفاع بها بالذات وبالواسطة، آذنين في الانتفاع بها، مبيحين بأن تأكلوا بعضها، وتعلفوا بعضها.
قال في "التأويلات النجمية" يشير إلى أن السماء، والماء، والنبات،
(٢) روح البيان.