أي: ما طرحوا من الحبال والعصي الذي خيل إليك سعيها وخفتها، وهو مجزوم بالطلب السابق، قال الزجاج: القراءة بالجزم: جواب الأمر، ويجوز الرفع على معنى الحال، كأنه قال ألقها متلقفة، وجملة: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾: تعليل لقوله: ﴿تَلْقَفْ﴾؛ أي: لأن الذي صنعوه عمل ساحر، و ﴿ما﴾ (١): موصولة؛ أي: إن الذي صنعوه، فحقها أن تفصل من نون إنّ. اهـ. شيخنا. لكنها ثبتت في خط المصحف الإِمام موصولةً، كما ذكره شيخ الإِسلام في "شرح الجزرية"؛ أي: إن الذي فعلوه بعد تدرب كثير، وممارسة طويلة، كيد سحري، لا حقيقة له ولا بقاء.
وخلاصة ذلك: أن الذي معك يا موسى معجزة إلهية، والذي معهم تمويه وتلفيق، ظاهر عليه الزور والبهتان، فكيف يتعارضان ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾؛ أي: ولا ينال الساحر مقصوده بالسحر، خيرًا كان أو شرًا، حيثما كان، وأين أقبل من الأرض وعمل السحر فيها، وهو من تمام التعليل، ومعناه: لا يسعد الساحر حيث كان ولا يفوز، وليس معنى ﴿لَا يُفْلِحُ﴾ لا يستطيع السحر، بل إذا سحر فلا يفلح، ولا يأمن حيث وُجد، فذلك عدم فلاحه.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿تلقف﴾ بفتح اللام وتشديد القاف، مجزومًا على جواب الأمر، والأصل: تتلقف فحذف إحدى التائين، وقرأ ابن عامر كذلك، ويرفع الفاء على الاستئناف، أو على الحال من الملقى، كما مر، وقرأ أبو جعفر، وحفص، وعصمة عن عاصم ﴿تَلْقَفْ﴾ بإسكان اللام والفاء، وتخفيف القاف، وكان ابن كثير يشدد التاء، من ﴿تلقف﴾ يريد تتلقف، وقرأ ابن مسعود (٣)، وأبيُّ بن كعب، وسعيد بن جبير، وأبو رجاء: ﴿تلقم﴾ بالميم وقرأ الجمهور (٤): ﴿كَيْدُ﴾ بالرفع على أن ﴿مَا﴾ موصولة بمعنى الذي، والعائد: محذوف، وقرأ مجاهد، وحميد، وزيد بن علي: ﴿كيد سحر﴾ بالنصب مفعولًا لـ ﴿صنعوا﴾ و ﴿ما﴾ مهيئة، وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وأبو بحرية،

(١) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.
(٣) زاد المسير.
(٤) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon