﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾؛ أي: فأجعل لهم بالضرب بعصاك طريقًا في البحر يابسًا، ليس فيه وحل ولا نداوة، من قولهم: ضرب له في ماله سهمًا، أي: جعل له نصيبًا، أو فاتخذ واعمل لهم في البحر طريقًا يابسًا، من قولهم: ضرب اللبن: إذا عمله.
والطريق (١): كل ما يطرقه طارق، معتادًا كان أو غير معتاد، قال الراغب: الطريق: السبيل الذي يطرق بالأرجل ويضرب، والبحر: كل مكان واسع جامع للماء الكثير، والمراد هنا: بحر القلزم، قال في "القاموس": القلزم: هو بلد بين مصر ومكة، قرب جبل الطور، وإليه يضاف بحر القلزم؛ لأنه على طرفه، أو لأنه يبتلع من ركبه؛ لأن القلزمة: الابتلاع، ومعنى ﴿يبسًا﴾: يابسًا، وصف به الفاعل للمبالغة، وذلك أن الله تعالى، أيبس لهم تلك الطريق، حتى لم يكن فيها ماء ولا طين، واليبس: المكان الذي كان فيه ماء فذهب.
وقرأ الحسن وأبو المتوكل والنخعي (٢): ﴿يَبَسًا﴾ بسكون الباء، على أنه مخفف من يبسًا المحرك، أو جمع يابس كصاحب وصحب، وصف به الواحد تأكيدًا، وقرأ أبو حيوة، والشعبي، وأبو رجاء، وابن السميقع ﴿يابسًا﴾ بألف اسم فاعل، قال أبو عبيدة: اليبس محرك الحروف، بمعنى اليابس، يقال: شاة يبس، أي: يابسة ليس لهم لبن، وقال ابن قتيبة: يقال لليابس: يَبَسٌ ويَبْسٌ.
وقوله: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا﴾ حال مقدرة من المأمور؛ أي: من موسى، والدرك: محركةً اسم من الإدراك، كالدرك بالسكون، والدرك: اللحاق بهم من فرعون وجنوده، والمعنى: فاجعل لهم طريقًا في البحر يبسًا، حالة كونك آمنًا لا تخاف من أن يدرككم العدو ﴿وَلَا تَخْشَى﴾ الغرق.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿لَا تَخَافُ﴾ بالألف والرفع، وهي أرجح، لعدم الجزم في ﴿تخشى﴾، ويجوز أن تكون هذه الجملة على قراءة الجمهور صفةً أخرى
(٢) البحر المحيط وزاد المسير.
(٣) البحر المحيط.