أول هذه السورة لآخر السابقة، فلأنه سبحانه ذكر في آخر السابقة الرحمة في ضمن قوله: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ﴾؛ أي: يرجو رحمة ربه وثوابه يوم لقائه وعرضه عليه للمجازاة، وبدأ هذه السورة بقوله: ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ﴾ فذكر الرحمة هنا صريحاً هذا ما ظهر لي بعد التأمل.
قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه - تعالى - لما ذكر قصة زكريا وطلبه الولد، وإجابة الله إياه، فوُلد له من شيخ فانٍ وعجوزٍ له عاقرٍ، وكان ذلك مما يتعجب منه.. أردفَه بما هو أعظم في الغرابة والعجب، وهو وجود ولد من غير ذكر، فدل ذلك على عظم قدرة الله تعالى وحكمته، ذكره في "البحر".
التفسير وأوجه القراءة
١ - قوله تعالى: ﴿كهيعص (١)﴾ (١) قرأ ابن كثير ﴿كهيعص ذِكْرُ﴾ بفتح الهاء والياء، وتبيين الدال التي في هجاء ﴿صاد﴾، وقرأ أبو عمرو: ﴿كهيعص﴾ بكسر الهاء وفتح الياء ويدغم الدال في الذال، وكان نافع يلفظ بالهاء والياء بين الكسر والفتح، ولا يُدغم الدال التي في هجاء (صاد) في الذال من ﴿ذِكْرُ﴾، وقرأ أبو بكر عن عاصم، والكسائي: بكسر الهاء والياء، إلا أن الكسائي لا يبين الدال، وعاصم يبينها، وقرأ ابن عامر، وحمزة: بفتح الهاء وكسر الياء ويدغمان، وقرأ أبي بن كعب: ﴿كهَيعَصَ﴾ برفع الهاء وفتح الياء، وقد ذكرنا في أول البقرة ما يشتمل على بيان هذا الجنس ﴿كهيعص (١)﴾ هذه الأحرف الخمسة يتعين في الكاف والصاد منها المد المطول المذكور باتفاق السبعة، وهو ثلاث ألفات، ويتعين في الهاء والياء المد الطبيعي باتفاقهم أيضًا، وهو قدر ألف، ويجوز في العين المد المطول المذكور وقصره بقدر ألفين، القراءتان سبعيتان، ويتعين في النون من عين إخفاؤها في الصاد وغنها، ويجوز في الدال من صاد إظهارها وإدغامها في ذال ذكر والقراءتان سبعيتان. انتهى. شيخنا. وقد خص المفسرون