ملغاة، فـ ﴿أَنَّى﴾ استعجاب واستبعاد من حيث العادة لا من حيث القدرة.
وقرأ أبو بحرية، وابن أبي ليلى، والأعمش، وحمزة، والكسائي: ﴿عِتِيًّا﴾ و ﴿بكِيًّا﴾ و ﴿صِلِيًّا﴾ بكسر أوائلها، ووافقهم حفص عن عاصم، إلا في قوله: ﴿بكِيًّا﴾ فإنه ضم أوله، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بضم أوائلها، وقرأ عبد الله: ﴿عِتِيًّا﴾ و ﴿صِلِيًّا﴾ بفتح العين والصاد، وعن عبد الله ومجاهد ﴿عسيا﴾ بضم العين والسين.
قال الإمام (١): فان قيل: لم تعجَّب زكريا بقوله: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ مع أنه طلبه؟
قلنا: تعجب من أن يجعلهما شابين، ثم يرزقهما الولد، أو يتركهما شيخين، ويلدان مع الشيخوخة، يدل عليه قوله تعالى: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾؛ أي: أعدنا له قوة الولادة. انتهى.
وفي "الأسئلة المقحمة": أراد من التي يكون منه هذا الولد، أمن هذه المرأة وهي عاقر أم من امرأة أخرى أتزوج بها، أو مملوكة؛ أي: ومن أي وجه يكون لي ذلك، وامرأتي عاقر لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء، أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجي ولودًا، وأنت القادر على ما تشاء، أم بأن أتزوج زوجًا غير تلك العاقر؟.
وخلاصة ذلك: أنه يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبلها الولد الذي بشره به، لا إنكار منه لذلك، وكيف يكون منه الإنكار لذلك، وهو المبتدىء مسألة ربه بقوله: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾؟.
وإجمال المعنى: أنه تعجب حين أجيب إلى ما سأل وبشر بالولد، وفرح فرحًا شديدًا، وسأل عن الوجه الذي يأتيه منه الولد، مع أن امرأته عاقر لم تلد

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon