من أول عمرها، والآن قد كبرت وهو قد كبر وعتا؛ أي: يبس عظمه ونحل، ولم يبق له قدرة على قربان النساء، وكأنه يقول: إني حين كنت شابًا وكهلًا لم أرزق الولد، لاختلال أحد السببين، وهو: عقم المرأة، أفحين اختل السببان أرزقه؟
٩ - ثم أجاب الله سبحانه على هذا السؤال المشعر بالتعجب والاستبعاد بقوله: ﴿قَالَ﴾ الله سبحانه وتعالى الأمر: ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: كما قلنا لك من خلق ولد من بينكما، فسنهب لك الولد مع ما أنتما عليه من العقم والشيخوخة؛ أي: أمرنا وشأننا ذلك الذي قلنا لك وهذا تصديق له.
ثم علل هذا بقوله: ﴿قَالَ رَبُّكَ﴾؛ أي: قال ربك الذي عودك الإحسان ﴿هُوَ﴾؛ أي: خلق ولد منكما على هذه الحال ﴿عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾؛ أي: سهل علي خاصةً، وإن كان في العادة مستحيلًا، فإني إذا أردت شيئًا كان دون توقف على الأسباب العادية التي رسمتها للحمل والولادة، وهذه الجملة مقررة للوعد المذكور بقوله: ﴿قَالَ كَذَلِكَ﴾ دالة على إنجازه، وقرأ (١) معاذ القاريّ، وعاصم الجحدري. ﴿هين﴾ بإسكان الياء، ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه فقال: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ﴾ يا زكريا ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ يحيى في تضاعيف خلق آدم. ﴿وَلَمْ تَكُ﴾ يا زكريا إذ ذاك ﴿شَيْئًا﴾ موجودًا أصلًا بل عدمًا صرفًا، فخلق يحيى من البشرين، أهون من خلقك مفردًا والمراد خلق آدم؛ لأنه أنموذج مشتمل على جميع الذرية، قال الإِمام: وجه الاستدلال بقوله: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ﴾ الخ. أن خلقه من العدم الصرف، خلق للذات والصفات، وخلق الولد من شيخين لا يحتاج إلا إلى تبديل الصفات، والقادر على خلق الذات والصفات، أولى أن يقدر على تبديل الصفات. انتهى.
وخلاصة ذلك: أن من قدر على خلق الذوات والصفات والآثار من العدم، أجدر بأن يكون قادرًا على تبديل الصفات، فيعيد إليه وإلى زوجه القوة وسائر الوسائل التي بها يمكن أن ينشأ منهما الولد، كما قال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ
(٢) زاد المسير.