بها، ثم وصفه الله تعالى بصفاتٍ كلها مناهج للخير، ووسائل للطاعة:
١ - ﴿وَآتَيْنَاهُ﴾؛ أي: وأعطينا يحيى ﴿الْحُكْمَ﴾؛ أي: الفهم في التوراة، والفقه في الدين، والإقبال على الخير حالة كونه ﴿صَبِيًّا﴾؛ أي: صغيرًا لم يتم سبع سنين، وروي: أنه - عليه السلام - دعاه الصبيان إلى اللعب فقال: ما للّعبِ خُلقنا، اذهبوا بنا نصلي، وعن بعض السلفِ: من قرأ القرآن قبل أن يبلغ، فهو ممن أوتي الحكم صبيًا، وقال ابن عباس: الحكم: النبوة، استنبأه الله تعالى وهو ابن ثلاث سنين أو سبع، وإنما سمِّيت النبوة حكمًا لأن الله تعالى أحكم عقله في صباه، وأوحي إليه.
٢ - ١٣ وقوله: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ معطوف على الحكم وتنوينه للتفخيم، وهو في الأصل التحنن والاشتياق، يقال: حن؛ أي: ارتاح واشتاق، ثم استعمل في العطف والرأفة؛ أي: وآتيناه رحمةً عظيمةً عليه، كائنة من جنابنا، أو رحمة في قلبه، وشفقةً على أبويه وغيرهما. أو المعنى (١): أي وجعلناه ذا حنانٍ وشفقة على الناس، وحسن نظر فيما وليه من الحكم فيهم، وقد وصف الله سبحانه نبيه - ﷺ - بمثل هذا في قوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ وقوله: ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
٣ - ﴿وَزَكَاةً﴾؛ أي: وآتيناه طهارةً من الدنس، وبعدًا من اجتراح الذنوب والآثام، قال الإِمام: لم تدعه شفقته إلى الإخلال بواجب؛ لأن الرأفة ربما أورثت ترك الواجب، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ فالمعنى: جمعنا له التعطف عليهم مع الطهارة عن الإخلال بالواجبات انتهى. أو جعلناه صدقةً؛ أي: تصدق الله به على أبويه، أو وفقناه للتصدق على الناس.
٤ - ﴿وَكَانَ﴾ يحيى ﴿تَقِيًّا﴾؛ أي: مطيعًا لما أمر به، ومتجنبًا عن المعاصي لم يعمل خطيئةً قط، ولم يهم بها، ومن جملة تقواه: أنه كان يتقوت بالعشب، وكان كثير البكاء، فكان لدمعه مجار على خده. اهـ شيخنا.