أجابوه بهذا الجواب الذي هو العصا (١) التي يتوكأ عليها كل عاجز، والحبل الذي يتشبث به كل غريق، وهو التمسك بمجرد تقليد الآباء؛ أي: وجدنا آباءنا يعبدونها، فعبدناها، اقتداء بهم، ومشيا على طريقتهم، وهكذا يجيب هؤلاء المقلدة، من أهل هذه الملة الإسلامية، وإن العالم بالكتاب والسنة؛ إذا أنكر عليهم العمل، بمحض الرأي، المدفوع بالدليل.. قالوا: هذا قد قال به إمامنا الذي وجدنا آباءنا له مقلدين، وبرأيه آخذين،
٥٤ - وجوابهم، هو ما أجاب به الخليل هاهنا بقوله: ﴿قَالَ﴾ لهم إبراهيم - عليه السلام -: والله ﴿لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ وأسلافكم الذين سنوا لكم هذه السنة الباطلة ﴿فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: في خطأ بيّن، بحيث لا يخفى على أحد من العقلاء ذلك، فإن قوم إبراهيم عبدوا الأصنام. التي لا تضر ولا تنفع، ولا تسمع ولا تبصر، وليس بعد هذا الضلال ضلال، ولا يساوي هذا الخسران خسران.
وقال آخر أيضًا:
يَأْبَى الْفَتَى إِلَّا اتِّبَاعَ الْهَوَى | وَمَنْهَجُ الحَقِّ لَهُ وَاضِحُ |
والاستفهام فيه استفهام تعجب واستبعاد؛ أي (٣): قالوا له حين سمعوا مقالته، مستبعدين أنهم في ضلال، ومتعجبين من تضليله إياهم: أجادُّ أنت فيما تقول، أم أنت لاعبٌ مازحٌ. فإنّا لم نسمع بمثله من قبل.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.