الموصول موضعه تسجيلًا على فعلهم بأنه ظُلْمٌ. أو منصوب على الذم. ثم بَيَّن ما تَنَاجَوا بِهِ فقال: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ والاستفهام فيه إنكاري، بمعنى النفي، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا، كأنه قيل: فماذا قالوا في نجواهم؟ فقيل: قالوا: ﴿هَلْ هَذَا﴾؛ أي: ما هذا الرجل محمد ﴿إِلَّا بَشَرٌ﴾؛ أي (١): دم ولحم مساوٍ لكم في المأكل والمشرب وكل ما يحتاج إليه البشر، والمود مقصور على البشرية، ليس له وصف الرسالة التي يدعيها، والبَشْرُ ظاهرُ الجلد، والأدمة باطنه، عبر عن الإنسان بالبشر اعتبارًا بظهور جلده من الشعر، بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف، والشعر والوبر. واستوى في لفظ البشر الواحدُ والجمعُ. وخص في القرآن كل موضع عبر عن الإنسان جثته، وظاهره بلفظ البشر.
والمعنى (٢): أي قالوا في تناجيهم متعجبين من دعواه النبوة: هل هذا الذي أتاكم بهذا الذكر إلا بشر مثلكم، في خلقه وأخلاقه، يأكل كما تأكلون، ويشرب كما تشربون، ويموت كما تموتون، فكيف يختص دونكم بالرسالة؟ والهمزة في قوله: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْر﴾ للاستفهام الإنكاري الابتعادي، داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾ عاطفة على ذلك المحذوف. وجملة ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ حال من فاعل ﴿تأتون﴾، مقرّرة للإنكار، ومؤكدة الابتعاد؛ أي (٣) ما هذا الرجل الذي يدّعي النبوة إلّا من جنسكم، وما أتى به - يعنون القرآن - سحر، أتعلمون ذلك فتأتونه، وتحضرونه على وجه الإذعان والقبول، وأنتم تبصرون، وتعاينون أنه سحر، قالوا ذلك لاعتقادهم أن الرسول لا يكون إلّا ملكًا، وأن كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبيل السحرِ؛ أي: الخداع والتخيلات التي لا حقيقة لها.
وخلاصة ذلك: أنهم طعنوا في نبوته بأمرين:
١ - أن الرسول لا يكون إلّا ملكًا.
٢ - أنَّ الذي يظهر على يديه من قبيل السحر. وذلك فاسد إذ حجة النبوة تعرف من المعجزة، لا من الصورة، ولو بعث الملك إليهم.. لم يعلموا نبوته
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.