وشتّان بينها وبين النار؛ لأن الجنة في أعلى عليين، والنار في أسفل السافلين.
وقال بعضهم (١): ﴿أن﴾ هنا بمعنى إلّا؛ أي: إلّا الذين سبقت لهم منا الحسنى، يعني: السعادة والعدة الجميلة بالجنة. والمعنى: إن الذين سبق لهم التوفيق للطاعة، وأخبتوا لله، وأخلصوا له العمل لا يدخلون النار، ولا يقربونها ألبتة.
١٠٢ - ثم ذكر أوصافهم حينئذٍ فقال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾؛ أي: لا يسمعون صوت حركة النار، الذي يسمع من شدة تحركها واضطرابها وتوهّجها. والحسيس (٢) صوت يحس به؛ أي: لا يسمعون صوتها سمعًا ضعيفًا، كما هو المعهود، عند كون المصوت بعيدًا وإن كان صوته في غاية الشدة، لا أنهم لا يسمعون صوتها الخفي في نفسه فقط، قال جعفر الصادق: كيف يسمعون حسيسها والنار تخمد لمطالعتهم، وتتلاشى برؤيتهم. وهذه الجملة (٣) بدل من ﴿مُبْعَدُونَ﴾، أو حال من ضميره، أو خبر ثان، وهي مذكورة للمبالغة في انقاذهم منها.
﴿وَهُمْ﴾؛ أي: هؤلاء الموصفون بالصفات المذكورة ﴿فِي مَا اشْتَهَتْ﴾ وتمنّت والتذّت ﴿أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾؛ أي: دائمون في غاية التنعم والاشتهاء، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس، وتلذ به الأعين، كما قال سبحانه: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾، والشهوة (٤): طلب النفس اللذة. وتقديم الظرف للقصر والاهتمام، وهو بيان لفوزهم بالمطالب، إثر بيان خلاصهم من المهالك. والمعنى: أنهم في حبور دائم، ونعيم لا ينقطع
١٠٣ - ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ﴾؛ أي: لا يخيفهم ﴿الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾؛ أي: هول النفخة الأخيرة في الصور، حين قيامهم من قبورهم للحساب، كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾، أو (٥) حين تغلق النار على أهلها، وييأسون من

(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٤) روح البيان.
(٥) المراح.


الصفحة التالية
Icon