الْوِلْدَانَ شِيبًا}. وقيل: يكون مع النفخة الأولى، قال: ويحتمل أن تكون الساعة عبارة عن أهوال يوم القيامة، كما في قوله: ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا﴾. والذهول: الذهاب (١) عن الأمر مع دهشة. والمرضعة: المرأة المباشرة للإرضاع بالفعل، وبغير التاء، هي التي من شأنها الإرضاع، لكن لم تلابس الفعل، ومثلها حائض وحائضة. والتعبير عن الطفل بما، دون مَنْ، لتأكيد الذهول، وكونه بحيث لا يخطر ببالها أنه ماذا؛ أي تغفل مع حيرة، عما هي بصدد إرضاعه، من طفلها الذي ألقمته ثديها، اشتغالًا بنفسها وخوفًا.
وقوله: ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ﴾ معطوف على تذهل؛ أي: ويوم ترونها تضع وتسقط وتلقي كل صاحبة حمل وجنين، ﴿حَمْلَهَا﴾؛ أي: جنينها لغير تمام، من شدة ما غشيها من الهول، كما أن المرضعة تترك ولدها بغير رضاع لذلك. والحمل بالفتح: ما كان في البطن أو على رأس الشجر، وبالكسر ما كان على الظهر. وقوله: ﴿وَتَرَى النَّاسَ﴾ معطوف أيضًا على تذهل؛ أي: يوم ترونها.. ترى أيها المخاطب أو يا محمد الناس؛ أي: أهل الموقف، ﴿سُكَارَى﴾ جمع سكران؛ أي: تراهم أنهم سكارى، من شدة الهول والفزع، ﴿وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ حقيقة؛ أي؛ من الشراب. وإفراد الخطاب هنا بعد جمعه في ترونها؛ لأن الزلزلة يراها الجميع، لكونها أمرًا مغايرًا للناس، بخلاف الحالة القائمة بهم من أثر السكر، فإن كل واحد لا يرى إلا ما قام بغيره. والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب، وقد يعترى من الغضب والعشق والخوف والفزع، ومنه سكرات الموت، قال جعفر - رحمه الله تعالى -: "أسكرهم ما شاهدوا من بساط العز والجبروت، وسرادق الكبرياء، حتى ألجأ النبيين إلى أن قالوا: "نفسي نفسي". والمعنى: ترى الناس كأنهم من ذهول عقولهم، لشدة ما يمر بهم، يضربون اضطراب السكران من الشراب. وقرأ الجمهور: (٢) ﴿تذهل كل﴾ بفتح التاء والهاء ورفع ﴿كل﴾، وابن أبي عبلة واليماني يضم التاء وكسر الهاء؛ أي ﴿تُذهِل﴾ الزلزلة أو الساعة ﴿كل﴾ بالنصب.
(٢) البحر المحيط.