أن أطفال المكونات كانوا في أرحام أمهات العدم، متقررين بتقرير الحق إياهم فيها، ولكل خارج منها أجل مسمى، بالإرادة القديمة والحكمة الأزلية، فلا يخرج طفل مكون من رحم العدم، إلا بمشيئة الله تعالى، وأوان أجله. وفي هذا رد على الفلاسفة القائلين بقدم العالم.
ثم ذكر الاستدلال على إمكان البعث، بحال خلق النبات أيضًا، فقال: ﴿وَتَرَى﴾ أيها المجادل أو يا من شأنه الرؤية، وهو حجة أخرى على البعث، ﴿الْأَرْضَ هَامِدَةً﴾ أي: ميتة يابسة لا تنبت شيئًا، يقال: همدت النار إذا صارت رمادًا، ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا﴾؛ أي: على الأرض الهامدة، ﴿الْمَاءَ﴾؛ أي: ماء المطر والعيون والأنهار، ﴿اهْتَزَّتْ﴾؛ أي: تحركت بالنبات، والاهتزاز الحركة الواقعة على البهجة والسرور، فلا يكاد يقال اهتزّ فلان لكيت وكيت إلا إذا كان الأمر من المحاسن والمنافع؛ أي: تحركت في رأي العين بسبب حركة النبات وظهوره. ﴿وَرَبَتْ﴾ أي: انتفخت وازدادت للنبات. من ربا يربو ربا، إذا زاد ونما، وربا الفرس ربواً، إذا انتفخ من عدو وفزع، كما في "القاموس". ﴿وَأَنْبَتَتْ﴾ أي: وأخرجت بالماء، ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾؛ أي: من كل نوع من أنواع النبات، ﴿بَهِيجٍ﴾؛ أي: حسن يسر ناظره، وإسناد الإنبات إلى الأرض مجاز، كما سيأتي؛ لأن المنبت هو الله سبحانه وتعالى.
وقرأ أبو جعفر (١) وعبد الله بن جعفر وخالد بن إلياس وأبو عمرو في رواية ﴿وَرَبَأَتْ﴾ بالهمز هنا، وفي فُصِّلَتْ؛ أي: ارتفعت وأشرفت، يقال: فلان يربأ بنفسه عن كذا؛ أي: يترفع بها عنه.
والمعنى: أي (٢) وترى الأرض يابسة دارسة الآثار، من النبات والزرع، فإذا نحن أنزلنا عليها الماء، تحركت بالنبات، وازدادت وانتفخت، لما يتداخلها من الماء والنبات، ثم أنبتت أنواعًا يسرّ الناظرين ببديع منظرها، وجميل شكلها واختلاف طعومها، وروائحها ومقاديرها ومنافعها.
٦ - وبعد أن قرّر سبحانه، هذين

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon