من فروع القدرة العامة، التامة ومسبباتها، ومن جملة فروعها ومتعلقاتها إحياء الموتى، وتخصيصه بالذكر، مع كونه من جملة الأشياء المقدور عليها، تصريحٌ بمحل النزاع، وتقديمه للاعتناء به، اهـ. بتصرف.
٨ - ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ﴾ هو أبو جهل أو النضر بن الحارث ﴿يُجَادِلُ﴾ ويخاصم وينازع ﴿فِي اللَّهِ﴾؛ أي: في شأنه ودينه وكتابه ونبيّه، حالة كون ذلك المجادل ملابسًا ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ضروري أو بديهي فطري، وهذا تكرير (١) لما تقدم للتأكيد، ولما نيط به من الدلالة بقوله: ﴿وَلَا هُدًى﴾؛ أي: ولا استدلال ونظر صحيح هاد إلى المعرفة ﴿وَلَا كِتَابٍ﴾ من الله ﴿مُنِيرٍ﴾؛ أي: له نور، ولا وحي مظهر للحق.
والمعنى: ومن الناس (٢) من يخاصم في توحيد الله، والإقرار بالألوهية بغير علم منه بما يخاصم به، ولا برهان معه على ما يقول، ولا وحي من الله أتاه ينير حجته، بل يقول ما يقول من الجهل، ظنًا منه وتخرصاً.
وخلاصة ذلك: أنه يجادل بلا عقل صحيح، ولا نقل صويح، بل يجادل اتباعًا للرّأى والهوى.
وقيل: الآية عامة (٣) لكل من يتصدى لإضلال الناس وإغوائهم، وعلى كل حال، فالاعتبار بما يدل عليه اللفظ، وإن كان السبب خاصّاً، ومعنى اللفظ: ﴿ومن الناس﴾ فريق يجادل في الله، فيدخل في ذلك كل مجادل في ذات الله، أو صفاته أو شرائعه الواضحة، حالة كونه بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير. والمراد بالعلم هو العلم الضروري، وبالهدى هو العلم النظري الاستدلالي، والأولى حمل العلم على العموم، وحمل الهدى على معناه اللغويِّ، وهو الإرشاد. والمراد بالكتاب المنير هو القرآن. والمنير: النيّر البيّن الحجة الواضح. وهو وإن دخل تحت قوله: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ فإفراده بالذكر كإفراد جبريل بالذكر بعد الملائكة، وذلك لكونه الفرد الكامل، الفائق على غيره من أفراد العلم.

(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon