قيل: والمراد بهذا المجادل في هذه الآية، هو المجادل في الآية الأولى، أعني قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ﴾ وبذلك قال كثير من المفسرين: والتكرير للمبالغة في الذم، كما تقول للرجل تذمه وتوبخه: أنت فعلت هذا، أنت فعلت هذا. ويجوز أن يكون التكرير لكونه وصَفَه في كُلِّ آية، بزيادة على ما صوفه في الآية الأخرى، فكأنه قال: ومن الناس من يجادل في الله، ويتبع كل شيطان مريد بغير علم ﴿وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ ليضل عن سبيل الله. وفي "الفتوحات" وليست هذه الآية مكررة مع السابقة؛ لأن الأولى واردة في المقلدين بكسر اللام لتقلدهم واتباعهم للشيطان، وهذه واردة في المقلدين بفتح اللام لقوله: ﴿ليضل...﴾ إلخ قال في الكشاف: وهو أوفق وأظهر بالمقام. اهـ شيخنا. وأصله في "الرازي".
٩ - وقوله: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ حال ثانية: من فاعل يجادل؛ أي: حالة كونه معرضًا بجانبه عن الحق متكبرا عنه، من ثنى العود إذا حناه. وعطفه لأنه ضم أحد طرفيه إلى الآخر. وعطف الإنسان بكسر العين، جانبه من رأسه إلى وركه أو قدمه. وفي "الجلالين": لاَوَى عنقه تكبراً. وفي "الإرشاد": عاطفاً بجانبه، وطاوياً كشحه معرضا متكبرًا: تقول العرب: جاءني فلان ثاني عطفه، إذا جاء متبختراً متكبرًا.
فالمراد (١): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ﴾ وهو لاوٍ عنقه معرض عما يدعى إليه من الحق، متكبر عن قبوله. وقوله: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ متعلق بـ ﴿يُجَادِلُ﴾، فإنه غرضه الإضلال عنه، وإن لم يعترف بأنه إضلال؛ أي: ليخرج المؤمنين عن الهدى إلى الضلال، أو ليثبت الكفرة عليه.
وقرأ الحسن (٢): ﴿ثاني عطفه﴾ بفتح العين؛ أي: تعطفه وترحّمه. وقرأ مجاهد وأهل مكة وأبو عمرو في رواية: ﴿ليَضل﴾ بفتح الياء؛ أي: ليضل في نفسه. والجمهور بضمها؛ أي: ليُضل غيره، وهو يترتب على إضلاله كثرة
(٢) البحر المحيط.