لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ}؛ أي: أنَّ الله سبحانه، لا ينصر محمدًا - ﷺ -، ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ بإعلاء كلمته، وإظهار دينه، وقهر أعدائه ﴿و﴾ في ﴿الآخرة﴾ بإعلاء درجته، والانتقام من مكذِّبيه، وأراد أن يقطع عنه النصر، الذي أوتيه من ربه ﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ ويبسط ﴿بِسَبَبٍ﴾ وحبل واصل ﴿إِلَى السَّمَاءِ﴾ يصل به إلى ما فوقها؛ أي؛ فليطلب حيلةً، يصل بها إلى السماء ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ النصر الذي يأتيه من ربه، إن أمكن له ﴿فَلْيَنْظُرْ﴾ وليفكر بعد احتياله، وكيده في قطع نصره، أنه إن فعل ذلك ﴿هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ﴾؛ واحتياله في ذلك ﴿مَا يَغِيظُ﴾ ويكره ذلك الحاسد من نصره - ﷺ -. قال النحاس: هذا من أحسن ما قيل في تفسيره هذه الآية، أو الضمير في ﴿يَغِيظُ﴾ يعود على ﴿مَا﴾، أي: ما يغضبه.
وقيل المعنى: من كان يظن، ويحسب أن لن ينصر الله، محمدًا - ﷺ -، حتى يظهره على الدين كله، فليمدد بسبب إلى جهة السماء والعلو؛ أي: فليشدد حبلًا في سقف بيته، ثم ليربط طرفه الأسفل في عنقه ثم ليقطع؛ أي: ثم ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقاً به. ﴿فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ﴾؛ أي: صنيعه وحيلته ﴿مَا يَغِيظُ﴾؛ أي: غيظه. و ﴿مَا﴾ مصدرية. والمعنى فليختنق غيظًا حتى يموت، فإن الله ناصره، ومظهره، ولا ينفعه غيظه. وقيل: إن الضمير في ينصره، يعود إلى ﴿مَن﴾ والمعنى من كان يظن، أن الله لا يرزقه، فليقتل نفسه، وبه قال أبو عبيدة. وقيل: إن الضمير إلى الدين؛ أي: من كان يظن أن لن ينصر الله دينه إلخ. والمعنى: أي (١) من كان يحسب، أن الله لن ينصر محمدًا، - ﷺ -، في الدنيا والآخرة.. فليمدد بحبل إلى سماء بيته، ثم ليختنق به، ثم ليصور في نفسه النظر، هل يذهبن ذلك الكيد الذي كاده، والفعل الذي فعله ما يغيظه من النصرة؟ كلَّا يعني أنه لا يقدر على دفع النصرة، وإن مات غيظًا.
وخلاصة المعنى: من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدًا ولا كتابه ولا دينه، فليذهب وليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه، فإن الله ناصره لا محالة، كما

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon