أمر هذه الشريعة، زعمًا منهم أن شريعتهم هي ما عين لآبائهم من التوراة والإنجيل. فذلك خطأ منهم، فإن ذلك إنما كان شريعة لمن مضى قبل نسخه بالقرآن.
والخلاصة: أثبت أيها الرسول على دينك ثباتاً لا يطمعون أن يجذبوك منه، ليزيلوك عنه. والمراد بذلك: تهييج حميته - ﷺ -، وإلهاب غضبه لله ولدينه ومثل هذا كثير في كتاب الله، وكأنه قد قيل له: تأس بالأنبياء قبلك في مشاركة القوم الظالمين، والإمساك عن مجادلتهم بعد اليأس من إيمانهم.
وقال: ابن جرير الطبري (١) (١٧/ ١٩٩): يقول تعالى: فلا ينازعنك هؤلاء المشركون بالله، يا محمد، في ذبحك ومنسكك بقولهم: أتأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون الميتة التي قتلها الله، فإنك أولى بالحق منهم؛ لأنك محق وهم مبطلون. وذلك أن كفار قريش وخزاعة خاصموا رسول الله - ﷺ - في أمر الذبيحة، فقالوا: كيف تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتله الله يعنون الميتة.
وقرىء ﴿فَلَا يُنَازِعُنَّكَ﴾ بالنون الخفيفة. وقرأ أبو مجلز ﴿فلا ينزعنك في الأمر﴾ من النزع، بمعنى فلا يقلعنك من دينك، فيحملوك إلى أديانهم من نزعته من كذا، أو لا يستخفنك ولا يغلبنك على دينك، وقرأ الباقون: ﴿يُنَازِعُنَّكَ﴾ من المنازعة، بمعنى المخاصمة والمجادلة.
فائدة: وإنما (٢) قال: فيما سبق ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ بواو العطف، وقال: هنا ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ﴾؛ لأن تلك وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الآية الواردة في أمر المناسك، فعطفت على أخواتها، وأمَّا هذه فواقعة مع أباعد عن معناها، فلم تجد معطفًا. قاله الزمخشري. ﴿وَادْعُ﴾ هؤلاء المنازعين، أو ادع الناس كافة، ولا تخص أمة دون أمة بالدعوة، فإن كل الناس أمتك ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾؛ أي: إلى توحيد ربك، وعبادته

(١) الطبري.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon