﴿حَقَّ جِهَادِهِ﴾؛ أي: جهادًا حقًا خالصًا لوجهه. لا تخشون فيه لومة لائم. قيل: المراد به الجهاد الأكبر، وهو الغزو للكفار، ومدافعتهم إذا غزوا بلاد المسلمين. وقيل: المراد بالجهاد هنا امتثال ما أمرهم الله به، في الآية المتقدمة، أو امتثال جميع ما أمر به، ونهى عنه. على العموم.
ومعنى: ﴿حَقَّ جِهَادِهِ﴾ المبالغة (١) في الأمر بهذا الجهاد؛ لأنه أضاف الحق إلى الجهاد. والأصل إضافة الجهاد إلى الحق؛ أي: جهادًا خالصًا لله، فعكس ذلك لقصد المبالغة. وأضاف الجهاد إلى الضمير اتساعًا أو لاختصاصه به سبحانه، من حيث كونه مفعولًا له، ومن أجله. وقيل: المراد بحق جهاده، هو أن لا يخافوا في الله لومة لائم. وقيل: المراد به استفراغ ما في وسعهم في إحياء دين الله.
وقال مقاتل والكلبي: إن الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ كما أن قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ منسوخ بذلك. ورد ذلك بأن التكليف مشروط بالقدرة، فلا حاجة إلى المصير إلى النسخ.
ثم عظم سبحانه شأن المكلفين بقوله: ﴿هُوَ﴾ سبحانه لا غيره ﴿اجْتَبَاكُمْ﴾؛ أي (٢): اختاركم من سائر الأمم، وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع. وقيل: اختاركم للاشتغال بطاعته من بين سائر البريات. وقيل: اختاركم لدينه، ونصرته لا غيره. وفيه (٣) تنبيه على ما يقتضي الجهاد، ويدعو إليه. قال ابن عطاء: الاجتبائية أورثت المجاهدة، لا المجاهدة أورثت الاجتبائية، انتهى.
وفيه تشريف لهم عظيم، ثم لما كان في التكليف مشقة على النفس في بعض الحالات قال: ﴿وَمَا جَعَلَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أيتها الأمة المحمدية ﴿فِي الدِّينِ﴾ الذي تعبّدكم به ﴿مِنْ حَرَجٍ﴾؛ أي: من ضيق وشدة وصعوبة

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon