٥٠ - وبعد أن ذكر فرقان موسى، وكان العرب يشاهدون تمسك اليهود به، حثَّهم على التمسك بالكتاب الذي نزّله على رسوله - ﷺ -، فقال: ﴿وَهَذَا﴾ القرآن الكريم الذي أنزلناه على محمد - ﷺ -، أشار إليه بإشارة القريب إيذانًا بغاية وضوح أمره ﴿ذِكْرٌ﴾ يتذكر به من تذكر، وموعظة لمن اتعظ بها ﴿مُبَارَكٌ﴾؛ أي: كثير الخير والنفع لمن اتبع أوامره، وانتهى بنواهيه ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ على محمد - ﷺ -، صفة ثانية لذكر، أو خبر آخر. وبعد أن أبان صفة هذا الكتاب، وبَّخهم على إنكارهم له، فقال: ﴿أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ الهمزة فيه للاستفهام الإنكاري، إنكار (١) لإنكارهم له، بعد ظهور كون إنزاله من الله كإيتاء التوراة، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أبعد أن علمتم، أن شأنه كشأن التوراة، في الإيتاء والإيحاء، فأنتم منكرون لكونه منزلًا من عندنا، فإن ذلك بعد ملاحظة حال التوراة، مما لا مساغ له أصلًا.
أي (٢): فبعد أن استبان لكم جليل خطره، وعظيم أمره تنكرون وتقولون: ﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾.
وقد يكون المعنى: كيف تنكرون كونه منزلًا من عند الله تعالى، وأنتم من أهل اللسان، تدركون مزايا الكلام ولطائفه، وتفهمون من بلاغة القرآن ما لا يدركه غيركم، وفيه شرفكم وصيتكم.
وخلاصة ذلك: أفبعد أن علمتم أن شأنه كشأن التوراة، تنكرون أنه منزل من عند الله، فهذا ما لا يستسيغه عقل راجح، ولا فكر رصين، فمثل هذا في غاية الوضوح والجلاء.
الإعراب
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ
(٢) المراغي.