أبصارهم مساجدهم. أو المعنى (١): خاضعون للمعبود، بالقلب غير ملتقين بالخواطر إلى شيء سوى التعظيم ساكنون بالجوارح، مطرقون ناظرون إلى مواضع سجودهم، لا يلتفتون يمينًا ولا شمالًا، ولا يرفعون أيديهم. والخشوع من فروض الصلاة عند الغزالي، والحضور عندنا ليس شرطًا للإجزاء، بل شرط للقبول، كما قاله الرازي: قدم الصلاة؛ لأنها أعظم أركان الدين، بعد الشهادتين، فإن قلت: لم أضيفت الصلاة إليهم؟
قلت: لأن الصلاة دائرة بين المصلي والمصلى له، فالمصلي: هو المنتفع بها وحده، وهي عدته وذخيرته، فهي صلاته، وأما المصلى له: فغني متعال عن الحاجة إليها، والانتفاع بها، ذكره في "البحر" وقد اختلف الناس في الخشوع (٢)، هل هو من فرائض الصلاة؟ أو من فضائلها؟ على قولين: قيل: الصحيح الأول، وقيل: الثاني، وادعى عبد الواحد بن زيد إجماع العلماء، على أنه ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته، حكاه النيسابوري في تفسيره، قال: ومما يدل على صحة هذا القول، قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ والتدبر لا يتصور بدون الوقوف على المعنى.
وفي "التأويلات النجمية": ﴿خَاشِعُونَ﴾؛ أي: بالظاهر والباطن (٣)، أما الظاهر فخشوع الرأس بانتكاسه، وخشوع العين بانغماضها عن الالتفات، وخشوع الأذن بالتذلل للاستماع، وخشوع اللسان بالقراءة، والحضور، والتأني، وخشوع اليدين وضع اليمين على الشمال، بالتعظيم كالعبد، وخشوع الظهر انحناؤه في الركوع مستويًا، وخشوع الفرج، نفي الخواطر الشهوانية، وخشوع القدمين بثباتهما على الموضع، وسكونها عن الحركة.
أما الباطن: فخشوع النفس سكونها عن الخواطر، والهواجس، وخشوع القلب بملازمة الذكر، ودوام الحضور، وخشوع السر بالمراقبة في ترك اللحظات
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.