فعلى العاقل (١) أن يتدارك حاله، ويصلح أعماله، قبل أن تنفد الأنفاس، وينهدم الأساس. وقيل شعرًا:

أَلاَ إِنَّمَا الدُّنْيَا كَظِلِّ سَحَابَةٍ أَظَلَّتْكَ يَوْمًا ثُمَّ عَنْكَ اضْمَحَلَّتِ
فَلاَ تَكُ فَرْحَانًا بِهَا حِيْنَ أَقْبَلَتْ وَلاَ تَكُ جَزْعَانَاَ بِهَا حِيْنَ وَلَّتِ
قال بعضهم: لا تركنن إلى الدنيا فإنها لا تبقى على أحد، ولا تتركها فإن الآخرة لا تنال إلا بها. وقال الزمخشري: استغنم تنفس الأجل وإمكان العمل، واقطع ذكر المعاذير والعلل، فإنك فى أجل محدود، وعمر غير ممدود. وقال بعضهم: لو علمت أن ما فات من عمرك لا عوض له.. لم يصح منك غفلة ولا إهمال. ولكنت تأخذ بالعزم والحزم، بحيث تبادر الأوقات وتراقب الحالات خوف الفوات عاملًا على قول القائل:
السِّبَاقَ السِّبَاقَ قَوْلًا وَفِعْلًا حَذِّرِ النَّفْسَ حَسْرَةَ الْمَسْبُوْقِ
وما حصل من عمرك، إذا علمت أن لا قيمة له كنت تستغرق أوقاتك فى شكر الحاصل وتحصيل الواصل. قال عليّ - رضي الله عنه -: بقية عمر المرء ما لها ثمن، يدرك به منها ما فات، ويحيي ما مات. وقد جاء فى الخبر: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"، ومعناه: أن الصحيح ينبغي أن يكون مشغولًا بدين أو دنيا، فهو مغبون فيهما.
١١٥ - ثم زاد فى توبيخهم على تماديهم فى الغفلة، وتركهم النظر الصحيح، فيما يرشد إلى حقية البعث والقيامة، فقال: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ الهمزة (٢): فيه للاستفهام الإنكاري، المضمن للتوبيخ، داخله على محذوف، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف. والحِسبان بالكسر الظن. وعبثًا حال من نون العظمة، بمعنى عابثين، وهو ما ليس لفاعله غرض صحيح، أو ارتكاب أمر غير معلوم الفائدة. والتقدير: أغفلتم وظننتم من فرط غفلتكم، أنا خلقناكم بغير حكمة، ولا ثواب ولا عقاب. ﴿وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ عطف على إنما
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon