ولكون الداعية فيها أوفر، ولولا تمكينها منه لم يقع، والسرقة إنما تتولد من الجسارة والقوة والجرأة، وهي فى الرجل أقوى وأكثر، كما مرّ فى المائدة.
والجلد (١): الضرب بالجلد، وهو بكسر الجيم قشر البدن. يقال: جلده إذا ضرب جلده، مثل بطنه إذا ضرب بطنه، ورأسه إذا ضرب رأسه. وقالت الحنفية: وهذا دليل على أن التغريب ليس بمشروع؛ لأن الفاء إنما يدخل على الجزاء، وهو اسم للكافي. والتغريب المروي منسوخ بالآية، كما نسخ الحبس والأذى فى قوله: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ﴾ وقوله: ﴿فَآذُوهُمَا﴾ بهذه الآية. ذكره النسفي فى تفسيره.
تنبيه: وكان (٢) هذا الحكم عامًّا فى المحصن وغيره، وقد نسخ فى المحصن قطعًا بالقرآن المنسوخ لفظه الباقي حكمه، وهو: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم" وبالسنة المتواترة، وبإجماع أهل العلم. ويكفينا فى حق الناسخ القطع بأنه عليه السلام قد رجم ماعزًا وغيره، فيكون من باب نسخ الكتاب بالكتاب، وبالسنة المشهورة. فحد المحصن الرجم، وحد غير المحصن الجلد.
وشرائط الإحصان فى باب الرجم ستة عند أبي حنيفة، كما مرّ: الإِسلام، والحرية، والعقل، والبلوغ، والنكاح الصحيح، والدخول. فلا إحصان عند فقد واحدة منها. وفي باب القذف: الأربع الأول والعفة.
فمعنى قولهم: حدّ الزنا رجم محصن؛ أي: مسلم حر عاقل بالغ متزوج ذي دخول. ومعنى قولهم: من قذف محصنًا؛ أي: مسلمًا حرًا عاقلًا بالغًا عفيفًا، وإذا فقدت واحدة منها فلا إحصان.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ بالرفع، وعبد الله ﴿والزان﴾ بغير ياء. وقرأ عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وعمرو بن فائد وأبو جعفر وشيبة وأبو السمال
(٢) روح البيان بزيادة.
(٣) البحر المحيط.