هذا، إن وجدنا واحدًا بقلبه إشفاق على أخيه المسلم حيث وقع في المعصية هل يؤاخذ بها؟ والجواب: أنه لم يرد الرأفة الجبلية والرحمة الغريزية، فإنها لا تدخل تحت التكليف، وإنما أراد بذلك الرأفة التي تمنع عن إقامة حدود الله، وتفضي إلى تعطيل أحكام الشرع، فهي منهي عنها.
قال في "بحر العلوم": وفيه دلالة على أن المخاطبين يجب عليهم أن يجتهدوا في حد الزنى، ولا يخففوا الضرب بل يوجعوها ضربًا، وكذلك حق القذف عند الزهري، لا حدّ الشرب، وعن قتادة يخفف في حدّ الشرب والقذف، ويجتهد في حدّ الزنى.
وقرأ الجمهور ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ﴾ بالتاء لتأنيث لفظ الرأفة. وقرأ أبو عبد الرحمن (١) السلمي وأبو رزين والضحاك وابن يعمر والأعمش ﴿يأخذكم﴾ بالياء. وقرأ الجمهور: نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ﴿رَأْفَةٌ﴾ بسكون الهمزة بوزن رحمة. وقرأ أبو المتوكل ومجاهد وأبو عمران الجوني وابن كثير ﴿رأفة﴾ بفتح الهمزة وقصرها على وزن رعفة. وقرأ سعيد بن جبير والضحاك وأبو رجاء العطاردي ﴿رأفة﴾ بفتح الهمزة ومدها على وزن سآمة وكآبة، وكلها مصادر أشهرها الأول.
فصل
واختلف (٢) العلماء في شدة الضرب في الحدود، فقال الحسن البصري: ضرب الزنا أشد من القذف، والقذف أشد من الشرب، وضرب الشارب أشد من ضرب التعزير، وعلى هذا مذهب أصحابنا. وقال أبو حنيفة: التعزير أشد الضرب. وضرب الزنا أشد من ضرب الشارب، وضرب الشارب أشد من ضرب القذف. وقال: مالك: الضرب في الحدود كلها سواء غير مبرح.
(٢) زاد المسير.