وفي "الفتوحات" (١) قوله: ﴿أَزْوَاجَهُمْ﴾ جمع زوج بمعنى الزوجة، فإن حذف التاء منها أفصح من إثباتها، إلا في الفرائض، ولم يقيدها بالمحصنات، إشارة إلى أن اللعان يشرع في قذف المحصنة وغيرها، فهو في قذف المحصنة يسقط الحد عن الزوج، وفي قذف غيرها يسقط التعزير، كان كانت ذميةً أو أمة، أو صغيرة تحتمل الوطء بخلاف الصغيرة التي لا تحتمله، وبخلاف قذف الكبيرة التي ثبت زناها ببينة أو إقرار، فإن الواجب في قذفها التعزير، لكنه لا يلاعن لدفعه كما في كتب الفروع.
وقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ﴾ لا مفهوم لهذا القيد، فإنه يلاعن ولو كان واجدًا للشهود الذين يشهودن بزناها، وعبارة "المنهج مع شرحه": ويلاعن ولو مع إمكان بينة بزناها؛ لأنه حجة كالبينة، وصدنا عن الأخذ بظاهر قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ﴾ من اشتراط تعذر البينة الإجماع، فالآية مؤولة بأن يقال: فإن لم يرغب في البينة فيلاعن، كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾، على أن هذا القيد خرج على سبب، وسبب الآية: كان الزوج فيه فاقدًا للبينة، وشرط العمل بالمفهوم أن لا يخرج القيد على سبب فيلاعن مطلقًا لنفي الولد ولدفع العقوبة حدًا أو تعزيرًا. اهـ.
وصورة قذفها بأن يقول لها (٢): يا زانية أو زنيت، أو رأيتك تزني. قال في "بحر العلوم": إذا قال: يا زانية، وهما محصنان، فردت بلا بل أنت حدت؛ لأنها قذفت الزوج، وقذفه إياها لا يوجب الحد بل اللعان، وما لم ترفع القاذف إلى الإِمام لم يجب اللعان.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ بإضافة أربعة إلى شهداء. وقرأ أبو زرعة وعبسد الله بن سلم ﴿بأربعة﴾ بالتنوين، وهي قراءة فصيحة؛ لأنه إذا اجتمع اسم العدد والصفة، كان الاتباع أجود من الإضافية، ولذلك رجح ابن جني هذه

(١) الجمل.
(٢) روح الببان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon