وإنما عدل (١) عن الخطاب إلى الغيبة، وعن الضمير إلى الظاهر، ولم يقل: ظننتم بانفسكم خيرًا وقلتم، ليبالغ في التوبيخ بطريق الالتفات، وليدل التصريح بلفظ الإيمان، على أن الاشتراك فيه يقتضي أن لا يصدق مؤمن على أخيه، ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن، وهذا من الأدب الحسن، الذي قل القائم به والحافظ، وليتك تجد من يسمع فيسكت، ولا يشيع ما سمعه بإخوانه.
وإنما (٢) جاز الفصل بين لولا وفعله بالظرف؛ لأنه منزل منزلته من حيث إنه لا ينفك عنه، ولذلك يتسع فيه ما لا يتسع في غيره، وذلك لأن ذكر الظرف أهم. فإن التحضيض على أن لا يخلوا بأوله؛ أي: هلا إذ سمعتم (٣) ما قال أهل الإفك في عائشة.. ظننتم بمن اتهم بذلك خيرًا وعفافًا؛ لأن الإيمان يحملكم على إحسان الظن ويكفكم عن إساءتكم الظن بأمثالكم من المؤمنين الذين هم كأنفسكم، وهلا قلتم حينئذٍ هذا إفك ظاهر، فإن الذي وقع لم يكن فيه ما يرتاب منه.
ذاك أن مجيء أم المؤمنين راكبة جهرةً على راحلة صفوان وقت الظهيرة والجيش أجمعه يشاهد ذلك، ورسول الله بين أظهرهم، ينفي كل شك، وإنما قيل لحسد في القلوب كامن وبغض في النفوس مكتوم.
وقيل المعنى: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ أي: هذا (٤) إذ سمعتم أيتها العصبة الكاذبة قذف عائشة ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ﴾ من العصبة الكاذبة، وهم حسان ومسطح ﴿وَالْمُؤْمِنَاتُ﴾ وهي حمنة بنت جحش ﴿بِأَنْفُسِهِمْ﴾؛ أي: بأمهاتهم أو بأخواتهم أو بأهل دينهم ﴿خَيْرًا﴾؛ أي: صلاحًا وعفافًا ﴿وَقَالُوا هَذَا﴾ القذف لعائشة ﴿إِفْكٌ مُبِينٌ﴾؛ أي: كذب ظاهر لا حقيقة له.
١٣ - ثم علّل سبحانه كذب الآفكين، ووبخهم على ما اختلقوه وأذاعوه بقوله (٥):
(٢) البيضاوي.
(٣) المراغي.
(٤) زاد المسير.
(٥) البحر المحيط.