للمؤمنين بعدئذ، أفليس هؤلاء هم الأسوة الحسنة وينبوع الطهر، ومنهم يقتبس المؤمنون فضائل الدين، وشريف الأخلاق، وإنا لنبرأ إليك ربنا منه، أن تلوكه ألسنتنا، وأن يحمل الهواء تلك النبرات الصوتية لتصل إلى أسماعنا، كما نبرأ إليك ربنا من كل أفاك أثيم، سولت له نفسه أن يكون الوسيلة في انتشار هذا القول الكاذب بين المؤمنين.
وخلاصة هذا: تنزه ربنا أن يرضى بظلم هؤلاء القاذفين، وأن لا يعاقبهم على عظيم ما ارتكبوا، وكبير ما اجترحوا من الإثم والفسوق، وأن توسم زوج نبيه بالفجوز، والعقل والدين يمنعان الخوض في مثل هذا؛ لأن فيه إيذاء للنبي - ﷺ - والله يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ ولأن فيه إشاعة الفاحشة التي أمر الله بسترها، ولأن في إظهار محاسن الناس وترك معايبهم تخلقًا بأخلاق الله، والنبي يقول: "تخلقوا بأخلاق الله".
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز الفصل بين ﴿لولا﴾ و ﴿قلتم﴾؟
قلت: للظروف شأن، وهو تنزلها من الأشياء منزلة نفسها لوقوعها فيها، وأنها لا تنفك عنها، فلذلك يتسع فيها ما لا يتسع غيرها. انتهى.
قلت (١): وما ذكره من أدوات التحضيض يوهم أن ذلك مختص بالظرف، وليس كذلك بل يجوز تقديم المفعول به على الفعل، فتقول: لولا زيدًا ضربت، وهلا عمرًا قتلت.
وقال الزمخشري أيضًا: فإن قلت: فأي فائدةٍ في تقديم الظرف حتى أوقع فاصلًا؟.
قلت: الفائدة بيان أنه كان الواجب عليهم، أن ينقادوا حال ما سمعوه بالإفك وينزجروا عن التكلم به، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم. فإن قلت: ما معنى يكون، والكلام بدونه تام، لو قيل: ما لنا أن نتكلم بهذا؟