قلت: معناه: ما ينبغي ويصح؛ أي: ما ينبغى لنا أن نتكلم بهذا، ولا يصح لنا. ومثله قوله: ﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾.
١٧ - ثم حذر عباده المؤمنين أن يعودوا لمثل هذا، فقال: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه الوعظ والنصح والتذكير بالعواقب؛ أي: ينصحكم الله سبحانه، ويذكركم أيها الخائضون في أمر عائشة. ويعظكم بهذه الواعظ، التي بها تعرفون عظم هذا الذنب، وكبر هذا الجرم، وأن فيه النكال والعقاب بالحد في الدنيا، والعذاب في الآخرة، كراهية ﴿أَنْ تَعُودُوا﴾ وترجعوا، أو من أن تعودوا، أو في أن تعودوا. ﴿لِمِثْلِهِ﴾؛ أي: لمثل هذا القذف. ﴿أَبَدًا﴾؛ أي: مدة حياتكم، أو ما دمتم أحياء مكلفين. ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: مصدقين بالله وبرسوله وباليوم الآخر، تتعظون بعظات الله، وتأتمرون بأمره، وتنتهون عما نهاكم عنه، فإن ذلك من مقتضى الإيمان الكامل، فإن الملك من مقتضى الإيمان الكامل. وفي قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ إيماء (١) إلى أن الإيمان يمنع من فعل هذا. وفيه (٢) حث لهم على الاتعاظ، وتهييج عظيم، وتقريع بالغ؛ لأن من شأن المؤمن الاحتراز مما يشينه من القبائح.
قال في "الكبير": يدخل في هذا من قال وسمع ولم ينكر، لاستوائهما في فعل ما لا يجوز، وإن كان المقدم أعظم ذنبًا.
١٨ - ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ﴾؛ أي: ويفصل الله سبحانه وتعالى لأجلكم أيها المؤمنون في كتابه. ﴿الْآيَاتِ﴾ الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب دلالة وأضحة، لتتعظوا وتتأدبوا بها؛ أي: ينزلها مبينة ظاهرة الدلالة على معانيها، لا أنه يبينها بعد أن لم تكن كذلك. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى. ﴿عَلِيمٌ﴾ بأحوال جميع مخلوقاته جلائلها ودقائقها، لا يخفى عليه شيء منها. فيجازي المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبير شؤونكم وفيما كلفكم به، مما فيه سعادتكم في معاشكم ومعادكم. وبه تسمو نفوسكم وترقى إلى عالم الأرواح، وتكونون خير

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon