الأمم في ساسات الشعوب وعمارة الأرض وإقامة ميزان العدل بين أفرادها.
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ ولقد صدق الله سبحانه وعده، وعمر أسلافنا الأولون ما كان معروفًا في ذلك الحين، وبثوا فيه فضائل الدين وسماحته، حتى صاروا مضرب الأمثال، فلما انحرفوا عن الصراط المستقيم والنهج القويم، تقلص ظلهم، وذهب ريحهم، وصاروا أذلاء مستعبدين، بعد أن كانوا سادةً حاكمين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
١٩ - ولما كان من أنفع المواعظ بيان ما يستحقه المذنب من العقاب على جرمه بين ذلك بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ هم عبد الله بن أبيّ ومن تبعه في حديث الإفك ﴿يُحِبُّونَ﴾؛ أي: يريدون ﴿أَنْ تَشِيعَ﴾ وتنتشر ﴿الْفَاحِشَةُ﴾ ويظهر خبرها بين الناس. والفاحشة: ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال. والمراد هنا الزنا.
﴿فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله، وأخلصوا دينهم لله سبحانه. وأحصنوا فروجهم عن المحرمات، كعائشة وصفوان ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لأولئك الذين أشاعوا الفاحشة بسبب ذلك. ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: موجع بإقامة حدّ القذف عليهم ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ واللعن والذم من الناس لهم فيها. ﴿و﴾ بعذاب النار في ﴿الْآخِرَةِ﴾ وبئس القرار.
قال ابن الشيخ (١): ليس معناه مجرد وصفهم بأنهم يحبون شيوعها في حق الذين آمنوا من غير أن يشيعوا ويظهروا، فإن ذلك لا يوجب الحد في الدنيا، بل المعنى: أن الذين يشيعون الفاحشة والزنا في الذين آمنوا، كعائشة وصفوان عن قصد ومحبة لإشاعتها، وفي "الإرشاد" يحبون شيوعها، ويتصدون مع ذلك لإشاعتها وإنما لم يصرح به اكتفاء بذكر المحبة، فإنها مستتبعة له لا محالة.
وفي "الصحيح": أن رسول الله - ﷺ - قال: "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" وعنه - ﷺ - أنه قال: "لا يستر عبد