ومنها: غاية كرم الله ورحمته وفضله على عباده، حيث يتفضل عليهم، ويرحمهم ويزكيهم عن أوصافهم الذميمة مع استحقاقهم العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، فإنه خلق الخلق للرحمة لا للعذاب، ولو كان للعذاب.. لكان من جهتهم بسوء اختيارهم. عصمنا الله وإياكم من الأوصاف الذميمة الموجبة للعذاب الأليم، وشرفنا بالأخلاق الحميدة، الباعثة على الدرجات والتنعمات في دار النعيم.
والمعنى (١): ولولا أن الله تفضل عليكم، وأبقاكم بعد الخوض في الإفك، ومكنكم من التلافي بالتوبة لهلكتم، لكنه لرأفته بعباده لا يدع ما هو أصلح للعبد وإن جنى على نفسه.
٢١ - وبعدئذٍ حذر عباده من اتباع وساوس الشيطان فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾؛ أي: لا تسلكوا سبل الشيطان وطرقه، ولا تقتفوا آثاره بإشاعتكم الفحشاء في الذين آمنوا بروايتكم إياها عمَّن نقلها إليكم، والخطوات (٢) في الأصل جمع خطوة بضم الخاء، وهي ما بين القدمين كما سيأتي في مباحث اللغة، ثم استعمل اتباع الخطوات في الاقتداء، وإن لم يكن ثمة خطو. والمراد بها هنا سيرة الشيطان وطريقته. والمعنى: لا تسلكوا الطرق التي يدعوكم إليها الشيطان، ويوسوس بها في قلوبكم ويزينها لأعينكم، ومن جملتها إشاعة الفاحشة في المؤمنين وحبّها.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿خطوات﴾ بضم الخاء والطاء. وقرأ عاصم والأعمش بضم الخاء وإسكان الطاء.
ثم ذكر سبب النهي، فقال: ﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾؛ أي: ومن اتبع وسلك طرق الشيطان، ومسالكه ومذاهبه.. فقد ارتكب الفحشاء والمنكر. فقوله:

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon