والمسكنة والهجرة نفقة من أموالهم. ومسطح (١) كان ابن خالة أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -، وكان من المهاجرين وممن شهد بدرًا، وكان مسكينًا، وكان ما نسب إليه داعيًا أبا بكر أن لا يحسن إليه، فأمر هو ومن جرى مجراه بالعفو والصفح.
وقرأ الجمهور: ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾. وقرأ عبد الله بن عياش بن ربيعة وأبو جعفر مولاه وزيد بن أسلم والحسن وأبو العالية وابن أبي عبلة. ﴿ولا يتأل﴾ بهمزة مفتوحة بين التاء واللام وتشديد اللام على وزن يتعل. وقرأ أبو حيوة وابن قطيب وأبو البرهشيم: ﴿أن تؤتوا﴾ بالتاء على الالتفات ويناسبه ﴿ألا تحبون﴾.
﴿وَلْيَعْفُوا﴾؛ أي: وليتجاوز أولو الفضل عن ذنب الخائضين، الذي أذنبوه عليهم، وجنايتهم التي اقترفوها، من عفا الربع إذا درس. والمراد: محو الذنب، حتى لا يبقى له أثر. ﴿وَلْيَصْفَحُوا﴾؛ أي: وليعرضوا عن لومهم بالإغضاء عن الجاني، والإغماض عن جنايته.
قال الراغب: الصفح ترك التثريب، وهو أبلغ من العفو. وقد يعفو الإنسان ولا يصفح. اهـ. وقرأ عبد الله والحسن وسفيان بن الحسين وأسماء بنت يزيد ﴿ولتعفوا ولتصفحوا﴾ بالتاء بأمر خطاب الحاضرين.
أي (٢): وليتركوا عقوبتهم على ذلك، بحرمانهم مما كانوا يؤتونهم، وليعودوا لهم إلى مثل الذي كان لهم عليهم من الأفضال. ثم ذكر سبحانه ترغيبًا عظيمًا لمن عفا وصفح فقال: ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ بهمزة الاستفهام التوبيخي؛ أي: ألا تحبون يا أرباب الفضل والسعة، أن يستر الله عليكم ذنوبكم بأفضاله عليكم، والجزاء من جنس العمل، فكما تغفر ذنب من أذنب إليك يغفر الله لك، وكما تصفح يصفح الله عنك. فحينئذٍ قال الصديق: بلى والله، نحب أن يغفر لنا ربنا. ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة وكفر عن يمينه. وقال والله لا أنزعها منه أبدًا. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه ﴿غَفُورٌ﴾ لذنوب من أطاعه واتبع أمره.

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon